top of page

هي

ahmedobenomran

عادت للمنزل بعد يومٍ شاق في العمل , دخلت للبيت و دخل خلفها طفلان هما رفيقاها الوحيدان في السكن بعد أن طلقها زوجها قبل ثلاث سنوات  ,عاشت في بيت والدها لبعض الوقت بعد طلاقها , لكن إلحاح والدها على زواجها مرة أخرى جعلها ترحل , نظرات الأب لها كأنها عالة و حديثه الدائما عن مالذي سيقوله الناس عن ابنته المطلقة جعلها تجمع كل أشيائها و تأخذ أولادها و تترك البيت  . دخلت لتغير ملابسها و تبدأ في تحضير وجبة الغداء للطفلين , كل ما يهمها أن يأكل الطفلان , ليست مشكلة بالنسبة لها إذا لم تأكل هي , يجهز الغداء فتناديهما , يدخل الطفلان , (محمد) ذو التسع سنوات و (علي) ذو الأربعة , يجلسان على الطاولة , كالعادة يبدي محمد إنزعاجه من هذا الأكل و وجبة اليوم قبل أن يأكل , تجلس الأم معهما و تأكل في صمت , تتأسف لمحمد عن هذه الوجبة و تقول بأن هذا ما أستطاعت تحضيره بعد عودتها من المصرف , ينهي الثلاثة طعامهم , فتبدأ في تنظيف المطبخ بينما يجلس الطفلان ليشاهدا التلفاز , تحاول النوم قليلاً بعد ذلك لكن الإتصالات المتكررة من مدير المصرف و الموظفين الذين يسألون عن بعض الإجراءات تحول دون ذلك فتمضي وقت ما بعد الظهيرة تتقلب على سريرها متفحصة الوسادة الخالية بجانبها قبل أن تنهض من جديد , تترك علي يشاهد التلفاز بينما تبدأ في معاونة محمد على إنهاء واجباته المدرسية , وجدت بين أوراقه ورقة إستدعاء ولي أمر , سألته عنها فقال بأن المدير يريد رؤيتها , صاحت به غضباً قليلاً , ثم تركتهما يخرجان للعب مع أولاد الحي ,لم تكن أنهت كلامها مع محمد لكنها أرادت بعض الوقت تكون فيه لوحدها . تجلس لتشرب القهوة و هي شاردة يرن هاتفها ترفعه لتجد بأن المتصل هو والدها. تبدأ المكالمة بالسلام و الأسئلة المتبادلة المتعارف عليها في المجتمع , كيف حالك و كيف حال أبنائك ؟ و ما إلى ذلك , الأب :” هل مازلتي ترفضين الزواج ؟!”

هي :” ألم تمل من هذا السؤال يا أبي ؟! قلت لك ألف مرة لا أريد ذلك “. الأب :” لكن يا ابنتي اسمعي , أنتي تعرفين ماذا يقول الناس عنكِ , لقد أكل الناس وجهي , تعرفين ماذا يقولون عن من يُطلقها زوجها و تظل مطلقة , المرأة تحتاج إلى رجلٍ في مجتمعنا حتى تعيش مصانة “. هي :” و هل تريد أن أتزوج حتى أكون سعيدة أم فقط لتسكت الناس من حولك يا أبي ؟ لقد خسرت يوم تطلقت رجلاُ لكني كسبت رجلين و أريد أن أربيهما وحدي “.

أنهت المكالمة ,

عادت للشرود و التفكير في بعض الأشياء الدائرة في مخيلتها , قاطعها صوت دخول الأخوين إلى البيت , حضرت لهما طعام العشاء , ثم أشرفت على غسل كلاهما لأسنانه و تبديل ملابسه قبل أن يخلدوا جمعياً للنوم .

في اليوم التالي تستيقظ قبلهما كصباح كل يوم تعد لهما ثيابهما و إفطارهما قبل أن توقظهما , يخرج الثلاثة معاً , توصل محمد لمدرسته ثم تضع علياً في روضته و تنطلق هي إلى العمل . وسط الدوام و الازدحام تطلب إذناً من المدير بأن تنصرف لساعة واحدة فقط حتى تذهب لمدرسة محمد و ترى مدير المدرسة , يسأل هو عن السبب فتجيبه بأنها لا تعرف بعد , يحدثها قليلاً عن أن العمل اليوم كثير و غيابها سيؤثر على سيره , ثم يتركها تذهب بعد أن يقول لها :” أن تربية الأطفال يحتاج لزوجان و لا يمكن لمرأة أن تقوم به لوحده”.

تدخل مكتب المدير و تعرف بنفسها فيرحب المدير بها و يطلب منها الجلوس مدير المدرسة :” لقد قام محمد أمس بضرب في الاستراحة و قد تسبب له بجرحٍ تطلبت خياطته أربع غرزات , لهذا طلبت رؤيتك “. سألت و علامة الذهول على وجهها :” لكن لماذا ؟!”

-مدير المدرسة :” لا نعلم , حاولنا سؤال محمد لكنه لم يجب علينا و لم يعطنا سببا “. أخرج ورقة من مكتبه  ثم عاد للحديث و قال :” لقد كان أب الطفل الأخر منزعجاً جدا البارحة و قد حاولت تهدئته ما استطعت ,أفهمته وضعكِ, و  أخبرناه بأن محمد سينال عقاب فعلته هذه و بأنك ستتصلين به”. ناولها الورقة قائلاً :” هذا رقم والده

هي :” أكيد , طبعاً سأتصل به و أعتذر عن ما فعله ولدي , بعد أن أعرف سبب ذلك “. أخذت الورقة من المدير و خرجت .

وقت الظهيرة , يعاد سيناريو البارحة , بعد الغداء تأتي الأم للتحدث مع محمد هي :” لقد ذهبت إلى المدرسة اليوم و تكلمت مع المدير “. نظر إليها هو في صمتٍ و لم يتكلم بشيء . هي :” أريد معرفة شيءٍ واحدٍ فقط , لماذا ضربت الولد ؟! أهكذا ربيتك ؟! “. استمر صمته دون أن ينظر لأمه هذه المرة , عادت لتقول له :” محمد أريد معرفة سبب ما فعلته”. هنا انفجر الطفل باكياً بشدة و قال :” لقد قال بأنه لا أب لك الآن , أن أبوك طلق أمك لأنها فاسقة “. و دخل مسرعاً إلى غرفته اعتلت الصدمة وجه الأم و لم تعرف ماذا تقول , و هل يجب أن تقول شيئاً أساساً , مضى على جلوسها هكذا بضعة دقائق قبل أن تعود لوعيها , حملت هاتفها و أخرجت من الحقيبة رقم والد الطفل الأخر و اتصلت به . رنين الوالد : “ألو!!” هي : “الو مرحباً , أنا أم محمد “. الوالد : “محمد من ؟!” هي :” الطفل الذي ضرب ابنك البارحة “. الوالد : ” أه , أهلا و سهلا “. هي :” أعتذر عن ما قام به ابني البارحة اعتذاراً شديداً و كلي أسف على هذا الشيء ” الوالد :” و هل تتصلين الأن , ابنك قام بضربي ابني البارحة و أنت تتصلين الأن؟! , ثم ما الذي جعله يضربه أساساً , أنتي تربين مجرماً في بيتك “. هي :” لقد قلت لك يا سيدي أني أعتذر عن هذا “. الوالد :” الاعتذار وحده لن ينفع , سيعيد ابنك هذا الشيء من جديد , ان كنتي لا تقدرين على تربية أبنائك أرسليهم لأبيهم , تربية الأولاد تحتاج لرجلٍ يا سيدتي.” أصابت الأم نوبة غضبٍ فقالت له و هي تصيح :” تعلم كيف تربي أنت أبنائك أولاً يا سيدي , ابنك قال البارحة بأن زوجي قد طلقني لأني فاسقة , كيف تعلم هذا الطفل هذه الأشياء , إن كنت لا تعرف كيف تربي أبنائك أساساً فلا تعلمني كيف أفعل ذلك “.

أغلقت الخط و رمت نفسها على الكنبة المجاورة لها و بدأت في البكاء بحرقة , اجتمعت كل المشاكل معاً و جعلتها تبكي بكت بسبب مجتمعٍ يرى أن المرأة لا بد أن تعيش مع رجلٍ حتى تستطيع العيش . بكت على أنها قد بدأت شيئاً فشيئا تنسى أنوثتها حتى تستطيع العيش وسط الرجال . بكت بسبب نظرة الناس الدائمة لها على أنها ناقصة . بسبب خوف والدها الدائم على سمعته و عدم اكتراثه لمشاعرها هي . بكت خوفاً على أولادها و خوفاً من أن تفشل في تربيتهم فيكونا سبباً في جرح امرأة أخرى و طلاقها مستقبلاً  , لهذا أرادت رفضت الزواج مجدداً و التفرغ لتربيتهما على احترام المرأة و عدم ضربها . بكت لغياب شريكٍ في الحياة يواسيها و يحتضنها في لحظة انكسار كهذه اللحظة . سمع الطفلان صوت بكاء أمهما فخرجا من و اتجها نحوها ببطيء , اقتربا منها حتى أحست بوجدهما فقامت تريد إخفاء دموعها عنهما , رمى محمدٌ نفسه بين أحضان أمه و بدأ يبكي معها , اقترب (علي) و زرع قبلة على خد أمه و هو يحاول مسح دموعها بيده .

– النهاية “هي” ليست امرأة واحدة , ليست شخصية معينة , من الممكن أن تكون أي شخص , أي إمرأة في أي مجتمعٍ ينظر للمطلقات بنظرة على أنهن ناقصات , يحاصرهن بالكلام حول وجوب وجود رجلٍ في حياتها , بينما تحارب هي كل من حولها في سعيها لتربية أبنائها أفضل تربية , “هي” امرأة تُحاسب كل يومٍ على خطأ لم ترتكبه هي , تُحاسب كل يوم على أنها رفضت أن تتعرض للضرب من زوجها في كل يومٍ ففضلت أن تعيش وحدها , لكن ….مجتمعها أبداً لن يفهم هذا.

0 views0 comments

Recent Posts

See All

في الزواج الليبي

‏إن الناظر للمجتمع الليبي سيلاحظ حتماَ هوس الشباب بالزواج في هذا المجتمع , سيلاحظ ذلك على صفحات التواصل الإجتماعي او في احاديث الشباب...

شلتته

قد كان صباحاً مملاً أحاول جعل ساعاته تمضي بسرعةٍ أكبر بتقليب صفحات التواصل الإجتماعي , حتى وجدت منشوراً على صفحة أحد الأصدقاء يعرف فيه...

Comments


bottom of page