top of page

من مرسين 10 إلى بنغازي

ahmedobenomran

المكان :جامعة شرق البحر المتوسط فماغوستا، او كما اعتدنا نحن تسميتها ماغوسا أسوة بمواطنيها لشعورنا اننا صرنا منهم.

الزمان : الساعة الثالثة مساءً اليوم العشرين من الشهر العاشر لسنة 2019.

اجلس بأحد مطاعم الجامعة منتظرا وصول صديقي النيجري و صديقتي التركمانستية، قبل صديقي هذا كنت اعرف عن نيجيريا شيئان فقط، انها دولة أفريقية و ان منتخبها لكرة القدم منتخب قوي، و أضاف لي هو طيلة ثلاث سنواتٍ ترافقنا فيها عديد المعلومات عنها ما كنت لأعرضها لولاه، و ما كنت لأعرف لولا صديقتي هذه عن دولة اسمها تركمانستان اصلا، كان موعد لقائنا على تمام الثالثة، و كانت سنواتي الأربع هنا كفيلة بأن تجعلني شخصا ذو مواعيدٍ مضبوطة لا يتأخر، لكنها لم تفعل بهما، جلست انتظرهما و بين كل دقيقة و دقيقة يأتي الي النادل متسائلا إذا ما كانت جاهزًا لأطلب و كنت أجيبه ذات الإجابة “انتظر احدهم”، دخلت التركمانية ذات الشعر القصير كطولها، تأسفت عن تأخرها قبل ان تجلس، و بعد ان جلست طلبت مني مد يدي، سألتها مازحاً

“لماذا هل ستخرجين خاتماً و تتقدمي لي؟”

ضحكت هي

ضحكت انا

مددت ذراعي

اخرجت اسوارة يدوية الصنع و وضعتها بيدي ثم قالت بأنها توضع في بلدها للحماية من الشر

شكرتها

احسست بالخجل لأنني لم احضر شيئًا معي

جاء صديقي النيجيري، اعتذر كما فعلت هي من قبله، ثم حققنا أمنية النادل و طلبنا، جلسنا ننتظر الغداء و نتحدث عن ذكرياتنا هنا، عن أساتذتنا و زملائنا، تخلل ذلك أسئلة منهم عن رحلتي، عن خطوتي القادمة، اجيب عليها بإجابات قصيرة ثم أغير موضوع الحديث محاولًا ابعاد فكرة رحيلي عن بالي، قبرص ليست مكاناً مثاليا للعيش، لكنها تجعلك تحبها، بأجوائها ، ببحرها، بأصدقئها الذين قابلت هناك،في منتصف الحديث نزعت اسوارة من الجلد كنت ارتديها و أعطيتها لها ، ثم خلعت القلادة التي كانت بعنقي و أعطيتها له، أردت ان اترك لهما شيئا يتذكرانني به

جاء غدائنا

شربنا الشاي معا

ثم خرجنا للسير في الجامعة، لم اكن انا من اقترح الفكرة لكنني أيدتها، كأنني اريد توديع المكان، استمر حديثنا عن الذكريات، كل الذكريات، عند مرورنا بالملعب الذي احتضن حفلة تخرجنا، تحدثنا عن يوم التخرج ذاك و كيف كان متعبا، كيف خرجنا راكضين من الملعب في منتصف الحفلة قاصدين الدكان القريب لشراء الماء و بداخلنا خوفٌ من ان يأتي دورنا قبل ان نعود

اوصلنا “جيمي” النيجيري إلى سكنه الداخلي

تعانقنا

أوصلت “ايلارا” إلى سكنها مقابل الجامعة

ودعتها

كانت تفصلني عشر دقائق على موعد الحافلة، لكنني فضلت المشي، ما تزال اثار الأمطار التي هطلت ظهرا ظاهرة على الطريق، سرت و بداخلي حزن على فراق هذان الاثنين، و اشتايقٌ لشوارع المدينة التي مشيت فيها حتى حفظتني.

الزمان: الساعة الثامنة من ذات المساء

المكان: مقهى اعتدنا الجلوس فيه

لم نكن من رواد هذا المكان قبل اشهر، تغير الأمر عندما زارنا رفيقنا لفترة قليلة قبل ان يصعد لعالم البشر و يهاجر لأستراليا، دخلناه ذات مرة معه،

أعجبنا

جاء رمضان فزادت زيارتنا لقربه و لبقائه مفتوحًا لساعاتٍ متأخرة، جرت العادة عندما يحين موعد رحيل احدهم ان نجتمع في احد المنازل، عشاءً بسيط للحاضرين في الغالب يكون “مثرودة”، بل دوما ما كان كذلك، جلسة بعد العشاء يتحدث فيها المسافر عن لقائه بكل الموجودين، و كلمة منهم يودعونه بها و يتحدثون عن طرائف دارت بينهم تحكى لأول مرة، لكن اغلب من حضر لتوديع المسافرين قد سافروا، آخرهم كان ” المبروك” الذي سافر قبل أسبوعين، و اجتمعنا هنا لتوديعه، و اليوم نلتقي لتوديعي انا، جلسنا على طاولة صغيرة كانت كافية لنا كلنا، أنس “الهوجا” و التي تعني المعلم بالتركية، اوس شقيق أني و رفيقي في سهرات الليل، صويد “فرنسا العظيم” الكائن الذي يقضي نصف يومه نائماً و يقضي النصف الآخر يأكل، حسين “الحاج” كبيرنا ، فاروق رفيقنا الذي يزورنا من فترة لأخرى و لكنه كان دوما واحداً منا، و انا، كنت قد نهضت لطلب قهوتي، استقبلني النادل الباكستاني عند الباب، “اليوم يوم رحيلك، ماذا ستشرب؟”

باغتني بالسؤال،

أخبرته ان لا داع لذلك، لكنه اصر، جلب لي القهوة، جلس بجانبي طالباً مني لف سيجارة اخيرة، تحدثنا قليلا، عن قبرص، عن باكستان، عن ليبيا، عن هذا الكوكب، ثم نهض ليعمل، و عدت انا للحديث بالعربية مع الأصدقاء، لم نتطرق للرحيل، لكننا تحدثنا كأنه يومٌ عادي، عندما حلت العاشرة، نهضوا هم باتجاه المنزل، قررت انا التمشي قليلا لأودع الشوارع، هذه الشوارع التي قصدتها للتمشي قبل كل يوم امتحان للخروج من ضغط الدراسة، هذه الشوارع التي سمعت مني مغامراتي الرومانسية الفاشلة، الأزقة التي جبتها سعيداً بحدثٍ ما، مهموماً من احداثٍ اخرى، جولاتي الليلية التي كانت روتيناً قبل ان تنصحني بها معالجتي النفسية التي لا يعرف عنها احد، اليوم اترك كل هذه الطرقات و ارحل تاركاً معها كل أسراري، عدت للمنزل، انهيت تجهيز حقائبي، بدأت بإنزالها، نزل كل من كان في المقهى معي، ودعت اوس الذي سيسهر وحده هذه الليلة، ودعت حسونة الذي لن يجد من يزعج صباح الغد مثلما أزعجني لقرابة الشهر ، انس و صويد و فاروق قرروا توصيلي إلى المطار، وقف حسونة في منتصف الطريق و بيده قنينة ماء رشها خلفنا عند انطلاقنا متبعا عرفاً تعلمناه من عجائزنا و اعتدت انا على القيام به عند سفر احدهم، ضحكنا كلنا، كانت الطريق خالية، و كنا نسير على أنغام بونقطة مغنياً حتى الغلا، تبعه رشيد طه و هو يحدث الرايح قائلا له يا رايح وين مسافر تروح تعيا و تولي، انا عائدٌ لوطني يا رشيد،

الزمان : لم يعد يهم

المكان: مطار ايرجان الدولي

أخذت بطاقة الصعود، دفعت ضريبة الوزن الاضافي بالحقيبة، اتجهت إلى نقطة الجوازات، وقفت لأودع من جاء معي، صورة جماعية اخيرة، احضان و جمل مثل “نتلاقو على خير”، ” سلم على اللي قدامك”، ختمت جوازي، وقفت وراء النقطة أحييهم تحية الوداع حابساً دموعي، امامي ساعة قبل موعد الرحلة، جلست اشرب القهوة، تزداد نبضات قلبي بين الفينة و الأخرى، تراودني افكارٌ حول الهروب و العودة إلى ماقوسا

احاول انا الهرب منها

أرسل رسالة لوالدي اعلمه فيها بأنني سأصعد الطائرة قريبا

اذهب للجلوس بالبوابة

وقف الركاب صفاً

فضلت انا الجلوس حتى ينتهى الزحام

ترسل لي ايلار رسالة تسألني فيها أين وصلت،

أجيبها بأنني صعدت الطائرة

جلست بجانبي عجوزٌ قبرصية تعيش بكندا، و اخرى ألمانية جائت كسائحة، اشعر بأنني اعرف قبرص اكثر منهما، تقلع الطائرة، تبغي عيني البكاء لكن الدموع لا تخرج، يبدو انني استنفذت دمعي على هيئة قطرات المطر التي هطلت في الظهيرة.

الزمان: لا يهم

المكان : شارع نهر الليطاني، الفويهات الغربية، بنغازي.

دخلت منزل جدي الذي كان هادئًا مثل اخر مرة خرجت منه قبل اربع سنوات، إذن …. لقد عدت.

2 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page