ليلة رأس السنة، قررت و بالرغم من برودتها ان اخرج لأتجول في المدينة مشيا على الاقدام، ساعة واحدة تفصلنا عن السنة الجديدة، المقاهي مغلقة و الملاهي الليلية تعج بالزبائن، لا أحد بالشارع سوى مجموعات السكارى الباحثة عن مكان تحتفل فيه، و مجموعات العشاق الذين قرروا ان ينهوا سنة و يبدؤا أخرى مع بعضهم، و انا أسير بين كل هؤلاء وحدي دون رفيقٍ يسايرني الى وجهتي، بل و دون وجهة أسير لها، من بين كل هذا تذكرت ذلك الصيف بتونس، صيف 2017 مطار قرطاج الدولي، اقف منتظراً كرت صعودي عائدا الى هنا، عندها سألتني يا صديقي عن إذا ما كنت سأزور بنغازي ام لا
“مش جاي لبنغازي انت؟”
قلتها بعد ان ودعنا بعضنا و هممت انت بالخروج، و لضيق الوقت قلت لك لا، اكتفيت بلا، و اليوم انا اتذكر هذا الحدث هنا و أملك لسؤالك الف اجابة و اجابة، فبنغازي يا صديقي لم تعد تلك التي جلسنا فيها يوما نشرب القهوة، بنغازي صارت شيئا اخر لا اعرفه، صارت مسخا أو وحشاً يأكل ابنائه ، يقتلهم او يزج بيهم في السجون، بنغازي صارت بالنسبة لي صورة هجرتها الالوان فاستولى عليها السواد، لم تعد بنغازي التي كنت أسير فيها مطمئنا ذات يوم بالرغم من الحرب و طيور الظلام، بل انني صرت امشي هنا باطمئنان اكثر في هذه المدينة التي لا اعرف اهلها ولا اعرف لغتهم، لقد صرت اشعر بأن هؤلاء الذين يجلسون في مطعمٍ بجانبي الان و كؤوس الراكي موضوعة امامهم ينتظرون حلول العام، لقد صرت اشعر بأن هؤلاء الغرباء لم يعودوا غرباء، بل ان اهل بنغازي الذين نشأت بينهم هم الغرباء، صاروا يقدرون من يأخذ لا من يعطي، يحبون من يذلهم، اما من قدم لهم كل شيء فهو مرمي منسي تحت الارض لا يبالي به احد، و انا قد اصابني ما اصباني فلم اعد اقوى على التحمل، صرت هشا ضعيفا لا عزم له على شيء حتى على وضع علامات التنوين على الحروف التي اكتبها الأن، صرت خائفا ان اعود الى بنغازي فلا تعود هي لي ككل شيء في الحياة.
من مرسين 10 الى شارع مسة.
Comments