top of page

من بنغازي إلى مرسين 10

ahmedobenomran

العشرون من شهر اكتوبر، تاريخٌ عاديٌ للبعض، مميزٌ لأخرون، مهمٌ بالنسبة لي، منذ عامٍ بالتمام والكمال استيقظت صباحاً، سماء ماغوسا التي اعرفها جيداٌ كانت شبه غائمة كأنها تستعد ان تبكي رحيلي، او تنوي تبليل ثيابي المنشورة على حبل الغسيل محاولة جعلي ابقى…وكم وددت ان ابقى، قبل عامٍ بالتمام و الكمال سرت في شوارع ماغوسا للمرة الأخيرة، و كأنها كانت مرتي الأولى، بعد عام ها انا ذا اجلس صباح هذا اليوم استذكر سنواتي الاربعة في قبرص، قبرص تلك الجزيرة النائمة في المتوسط كأنها جميلة هادئة تنام في سلام، ومن الضفة الاخرى للمتوسط اجلس انا افكر فيها و اكتب لها وعنها كمن يكتب عن محبوبته، استعيد شريط الذكريات الذي اراه امامي بوضوحٍ تام، يومي الأول هناك

الخروج من المطار ليلاً

الوصول للمدينة

لقاء مصطفى في محطة الحافلات

انبهاري بكل شيءٍ حولي رغم ان كل شيءٍ كان بسيطاً

لقائنا الاول في الشقة التي ستصبح لاحقاً اول مسكنٍ لي، لم نعرف طيل اشهر بقائنا فيها عنواناً لوصف الشقة الا عن طريق بقالةً مجاورة فكنا نقول بجانب دكان بشام، ومن يرى دكان بشام هذا لن يتوقع ابدا ان الدكان الذي يبدو كأنه من بقايا الحكم الاشتراكي في بيلاروسيا سيضم بداخله ثلاث لألىء

يومي الأول في الجامعة و حيرتي التي كانت كحيرة طفلٍ في اول يومٍ له في المدرسة

كافتيريا كلية العمارة التي كانت نقطة لقاء لنا بين المحاضرات قبل ان يصبح لكلٍ منا اصدقاءٌ من قسمه ونكف عن الذهاب هناك

شتائي الأول الذي لم اشهد شتاءً مثله

صيفي الأول الذي قاطعته زيارة لبنغازي قررت بعدها ان تكون اخر زيارة و انت تبدأ عند عودتي رحلة ثلاث سنواتٍ متواصلة انتهت منذ عام، اتذكر فجأة تفاصيل ذلك اليوم، المشاعر المختلطة التي كانت بداخلي، كل شيءٍ بدا غريباً، كل شيءٍ بدا كأنني اراه للمرة الاولى، خرجنا ظهراً لشراء بعض الاخر، قال لي عبد الرحمن يوم سفره قبل عامٍ ونصف تقريباً بأن السماء تمطر دوما يوم سفر احد معارفه و هاهي تمطر يوم سفري، كأن قبرص تبكينا، تذكرت كلماته هذه عندما بدأت الامطار بالهطول…هي فعلا تبكينا، و تذكرت عندما دخلنا إلى مركز التسوق رمضاني الاول هناك عندما قصدناه انا وسالم “نكسروا في الوقت” وخرجنا دون ان نشتري شيئا بعد ان امضينا فيه ساعتين كاملتين، اتذكر خروجي من شقة سالم في ليالي الشتاء عائداً للمنزل بعد ان شربنا القهوة وحللنا اغلب مشاكل العالم و تركنا بعض المشاكل لنناقشها في جلستنا القادمة في شرفة شقته، تغيرت الشرفة، تغيرت الشقة، تغير مكان اللقاء و مواعيده، لكن القهوة ظلت كما هي، وسالم ظل كما هو رفيق قهوة جيد، الا انه لم يعد وحده رفيق قهوة، صار للقهوة رفقاء، و تحولت قهوة المساء إلى قهوة صباح ومساءٍ وليلٍ فجر، صار كل وقتٍ هو وقت قهوة رفقة فرنسا وحسين، انس و اوس، ليمونة و فاروق في بعض الفترات

اعود من جديد لعامٍ مضى، عندما استقيظت صباحاً منهكاً بعد ليلة ذات نومٍ غير مريح قضيتها في مطار اسطنبول، لم يكن ذلك الشيء الذي اشتريته يشبه القهوة بأي شكلٍ من الاشكال، نسمات الصباح تصفع وجهي فور دخولي منطقة التدخين للحصول على قليلٍ من الهواء، كنت يومها تائهاً تماماً ولا اعني هنا جسدياً بل نفسياً، لازمني الشعور بالضياع طول الوقت، اشتاق لمن تركتهم خلفي بالأمس ولبلدٍ جئت إليه مغترباً لكنني لم اشعر بالغربة قط، متحمسٌ للقاء من لم القاهم منذ ثلاث سنوات، قلقٌ من غُربةٍ سأعيشها في بلدي، شعور الضياع الذي لم ينته عندما حطت الطائرة في المطار، لم ينته طيل ثلاثة ايام قضيتها في طرابلس، لم ينته في 1200 كم قطعتها براً إلى بنغازي، ولم ينته عندما استيقظت يوم الجمعة في غرفتي التي كانت كما تركتها قبل اربع سنوات، و ربما كانت هي الشيء الوحيد الذي لم يتغير في هذه الفترة.

عامٌ مر على نهاية اربعة اعوامٍ وشهر بالتمام والكمال قضيتها في قبرص، اربعة اعوام عرفت فيه من خلق الله الكثير، قومٌ عربٌ وعجمٌ، ليبيون و مصريون و سوريون و تركٌ وقبارصة، اردنيون و فلسطنيون و لبنانيون، جزائريون و يمنيون، صار لي صديقٌ من المغرب، من نيجيريا، من مورشيس وتركمانستان التان ربما لم اكن اتخيل في يوم وجودهما على الخريطة اساساُ، بعد عامٍ من اخر لقاءٍ بهم مازلت اذكرهم و اشتاق لهم، كما اشتاق لشوارع ماغوسا، لكلابها وقططها، لغربانها، لقلعتها، لأهلها، اشتاق لليالها الباردة، ولشواطئها الجميلة ذات يومٍ صيفيٍ حار، اشتاق لعمارة مليحة واينور ومن سكن معي فيها، اشتاق لمليحة نفسها، اشتاق لجارتي العجوز التي كانت ترسل لنا بعض الاطباق من حينٍ لأخر، اشتاق للعودة للمنزل في الرابعة فجراً بعد ليلة عمل متعبة في المطعم، اشتاق للمطعم ومن عمل معي فيه، اشتاق لنادلة المقهى العربية، ولموظفة السوبرماركت الشقراء، اشتاق لتلك الفارسية ايضاً، اشتاق..اشتاق..اشتاق

وبعد عامٍ من الاشتياق ها انا ذا اجلس لأكتب –وللمرة الأولى- من بنغازي إلى مرسين 10.

2 views0 comments

Recent Posts

See All

من مرسين 10 إلى بنغازي

المكان :جامعة شرق البحر المتوسط فماغوستا، او كما اعتدنا نحن تسميتها ماغوسا أسوة بمواطنيها لشعورنا اننا صرنا منهم. الزمان : الساعة الثالثة...

コメント


bottom of page