من اغلق النافذة ؟
- ahmedobenomran
- Sep 10, 2017
- 3 min read
قد كان صرصاري من مثقفي هذه الايام، اولئك الذين قرؤوا بضعة كتب فباتت انوفهم تقترب من ملامسة الشمس لكثر رفعها، يدعي بأنه دودة كتب ، يعرف اسماء بضعة كتابٍ و ادباء، يقول بضعة كلامات غريبة لا يفهمها احد ثم يقول بأنه اقتباس من سارتر او كارل ماركس، و قد عرفته دائما بأفكاره المختلفة عن افكار الاغلبية، فلو اتفق العامة على ان واحد زائد واحد تساوي اثنان سيخرج هو ليقول لا، ويصف الشعب بالجهل والتخلف، لهذا لم اتعجب حينما جائني يوم ان خرجت ما سماها الناس فضيحة كتاب ما و قد دار بيننا هذا الحوار.
خرج من وكره الذي لا اعلم مكانه و اتجه نحوي في ليلة صيفية حارة، اقترب مني و شرار الغضب يتطاير من قرون استشعاره، وقف و قال بصوتٍ يملؤه الشجب : ” ايعجبك الارهاب الفكري الذي يمارسه ابناء شعبك، اهكذا يعامل الادباء و الكُتّاب؟ يهددون بالقتل و يتعرضون للسب والشتم ؟ اهكذا وصل بكم الحال “.
رغم رغبتي الشديدة لمناقشة الموضوع لكنني كبرت عقلي و”مادرتش للصراصير كراسي” و لم ارد.
فأكمل الحديث دون ان يبالي و عاد ليقول ما قاله اغلب اصحاب هذا الرأي : ” هل تنكر وجود هذه الاشياء في ثقافتكم و شارعكم، و ما الادب الا وسيلة لنقل صورة المجتمع كما هي، و هذه صورة مجتمعكم، لكنكم مجتمعٌ منافقٌ يظهر ما ليس بداخله “.
هنا لم اعد اطق الصبر و فشلت في المحافظة على صمتي فقلت : ” اسمع يا ابن الصراصير، سأبدأ معك بأبسط الاشياء، لا انكر وجود هذه الثقافة في شارعنا، لكن هذا الاخ شوه هذه الصورة، ففي حياتي كلها لم اجد من يسب بهذه الطريقة، ان للسب ادابٌ و قواعد لم يحترمها هذا الاخ، و بما انني انتمي لهذه الفئة التي تحدث عنها هو انا فإني اعارضه لأنه شوه صورتنا باسلوبه المبتذل في الشتم، و بما انك قد فتحت سيرة المجتمع فاسمح لي ان أكمل في هذه السيرة، يقول نيوتن في احد قوانينه لكل فعلٍ رد فعل مساويٍ له في القوة و مضادٌ له في الاتجاه، و هذا ما حدث، انت تعرف جيداً ان المجتمع يرفض مثل هذه الاشياء التي ذكرت، لذلك يجب ان تتوقع وجود ردة فعل على مخالفتك للعرف. ”
-” يا أخي اي عرفٍ ، هذا جهل و تخلف، انت نفسك قد قلت للتو بأنك تسب، فأين معاقبة المجتمع لك؟ “.
-” و من قال لك بأنني لا اعاقب، يطلق علي الناس القاباً لا حصر لها، اذا ما استخدمت مثلاً ذات الكلمات التي استخدمها صاحبنا هذا في حديثٍ عام سيصفني الناس بأنني شلتوت، هو نفسه سيقول عني هذه الكلمة فأين العدل في الموضوع ….”
-” يا اخي هو لم يستعملها بل تكلم بلسان شخصٍ يستعملها، و هذا مباح للكاتب، و قد لاحظت انك للأن ترفض منادته بكاتب، ثم يا اخي و اذا فرضنا ان المجتمع سيحارب كلاكما، هل نترك الدلاعة تعوم وسط البحر؟ ”
لم افهم سؤاله الاخير فتجاهلته لكنني عقبت على ما قاله في البداية و قلت له :” ارفض تسميته بكاتب لأنه في نظري لا يستحق هذا اللقب، اذا ما جلبت شخصاً يجلس عند شوكة شارعنا و لا يعرف عن الادب شيئاً و طلبت منه ان يحكي قصةً ستكون حتماً افضل من قصة صاحبك هذا، …..”
عاد الكائن البني ليقاطعني ويقول :”بربك هل قرأت الكتاب؟ ”
اجبت بالنفي فانطلق قائلاً :” ارأيت هكذا انتم تننقدون الاشياء دون ان تعرفوها ، انا اجزم بأن كل من انتقد الكتاب لم يقرأه، بل لم يسبق له ان قرأ كتاباً قبل ذلك، هذا هو الجهل بعينه، تصرون على ابقاء النوافذ مغلقة و ترفضون وصول الشمس اليكم”.
هنا قد وصل الغضب اقصى درجاته عندي فكتمته حتى انهي حديثي :” اولاً انت تصر على تصنيفي مع هذا الشعب و انا لست منه، انا سويسري قد ساقتني الظروف الى هذه البلاد، ثانياً هل تعلم من اغلق هذه النوافذ؟، انتم مجتمع المثقفين، حصرتم ندواتكم و جلساتكم على ذات الاشخاص و اغلقتم محاربكم على عامة الناس بدل ان تسعوا لزيادة وعيهم، ثم جلستم في قصوركم العاجية تناظرونهم و تسبونهم ، تقذفونهم بألقاب بشعة كالجهل و التخلف، تنظرون عليهم و تستهزؤن بتفكيرهم ،تسعون لأن تكونوا مختلفين بشتى الطرق، تقتعدون بأنك القلة المبصرة وسط مجموعة من العميان، رغم انكم وحدكم العميان، لأنكم لم تتعلموا من اخطاء من سبوقكم، لهذا نفرت منكم الناس و اغلقت نوافذها على شمسكم، فلا فائدة من شمسٍ تحرقني بأشعتها بدل ان تنير الطريق، اما الان و قد ذقت ذرعاً بحوارك فاغرب عن وجهي قبل ان اريك ارهاباً فكرياً مقاس 43″.
ففر الصرصار الى مخبأه هرباً و قمت انا لأغلق النافذة حتى لا تزعجني شمس النهار اذا اشرقت ،ثم نمت و انا امني النفس ان افطاري سيكون القهوة و البكلاوة .

Comments