top of page

مرشد سياحي 8 (الدلاعة)

ahmedobenomran

اشتهيت في هذا اليوم بينما كنت عائداً إلى المنزل أكل الدلاع, أو ما يسمى بلسان العرب بالبطيخ , مررت على السوق الخارق أو السوبر ماركت , اتجهت رأسا إلى قسم الخضروات و الفواكه , أمسكت بواحدة , وضعتها بجانب أذني و بدأت في “الطبطبة” عليها , سمعت صوتاً ينادي قائلا :”أهمد” نظرت إلى الدلاعة متفحصاً إياها باحثاً عن مصدر الصوت لكنه لم يكن منها , نظرت خلفي فوجدت تلك التركية الشقراء التي سألتني عن بنغازي يوماً , وقفت أمامي و قالت :Why you are #$@!@ ^&#%##@*(&&% *^$@! $%@# ?

حاول دماغي بسرعة ترجمة ما قالته فكانت النتيجة:” لماذا تصفع الماء مالون كأنك تصفع مؤخرة طفلٍ صغير ؟  ….” الماء مالون !! , ماذا بحق الجحيم تكون هذه الكلمة ؟ تطلب الأمر مني نصف دقيقة لأستنتج أنها تتحدث عن البطيخة التي على كتفي , فأجبتها بأني أفعل ذلك حتى أعرف إذا ما كانت جيدة أم لا , سألت بفضولٍ يشابه فضول أهل درنة الشهير “و كيف تعرف ذلك ؟” .

صاح صوتٌ بداخلي قائلا اللعنة !! أنا حقاً لا أعلم , أنا فقط أقوم بها كجزء من العادات , هل أكذب عليها ؟, انتبهت إلى أن صمتي قد طال قليلاً , نظرت نحوها بسرعة و قلت لها :” ضعي أذنك عليها ” صفعت الدلاعة و قلت :” هل سمعتي هذا الصوت ؟” . هزت رأسها قائلةً نعم , فأكملت قائلاً : هذا يعني بأنها جيدة ؟” . و لسببٍ مجهول أذهلها هذا , فسألتني بلهفة :” أين تعلمت هذا ؟” . قلت لها بأنه جزءٌ من عاداتنا . قالت لي :” هلا حدثتني قليلاً عن عاداتكم ؟”. ضحكت قليلاً و قلت لها :” الأمر معقد و هي كثيرة لا أعلم سرها كلها , مثلا لدينا عادة بأن نضم يدنا إلى صدرنا بعد مصافحة أحدهم , و لا أعلم سر هذا الشيء المتعب أحياناً , فمثلا في بعض المناسبات يكون الرجال صفاً يجب عليك أن تمري عليه و تسلمي عليهم فرداً فردا و تخيلي أن تسلمي على عشر رجالٍ مثلاً و تضمين يدك إلى صدرك بعد كل مصافحة , أحيانا أشعر بأني شيعيٌ في يوم عاشوراء أثناء قيامي بذلك , و على ذكر المناسبات , لدينا معتقدٌ غريب عند كبار السن بأن كل شابٍ يتمنى الزواج , و عندما تقابلين أحدهم أثناء عُرسٍ ما , لن تسمعي شيئاً منهم سوى “عقبالك” و هو دعاء بأن يكون زواجك قريباً , و أحياناً تلحق بجملة “نفرحوا بيك” , كان هناك عجوزٌ طاعنة في السن تقول ذات الجملة عندما تقابلني :” عقبالك تفرح بوك و أمك ان شاء الله ” , ذات مرة التقيت بها في عزاءٍ فتمنيت لو أستطيع أن أقول لها :” عقبالك  تفرحي زوجاتك أبنائك ان شاء الله “. و في تقاليدنا أيضاً , أن إندلاق القهوة يعني وجود مبلغٍ مالي في الطريق لصاحب القهوة و أن الحذاء المقلوب يعني قرب سفر صاحبه , و هناك أيضاً بضع أمثلة تقال دوماً رغم أني لا أفهمها فمثلاً هناك (شارعين و دردوحة) و يتم إستعمال هذه الجملة لوصف مدينةٍ أو دولةٍ صغيرة الحجم , و منذ أن أبصرت هذه الدنيا و الناس تستعمل هذه الجملة لوصف مكانين في العادة , درنة و مالطا , و الدرودحة في قاموس مختار المذراح تعني الطربق المنحدر من أسفل إلى أعلى و يقال للجزء العلوي منها , علوة , و قد ذكر ابن بطبوطة في كتابه أن أشهر العلوات في بنغازي علوة سيدي حسين التي و تقول الغيطة الشهيرة:” سيدي حسين امية حلوة , تدردح من فوق العلوة ” و سيدي حسين هي منطقة شعبية سميت نسبة لوالٍ صالح قطن بنغازي قبل قرون , أما الغيطة فهي لونٌ من ألوان الفن الشعبي المنتشرة في بنغازي في المناسبات و الأفراح , و على ذكر الفن الشعبي في الأفراح فهناك أيضاً شيء يدعى الكشك ..” قاطعتني بوقاحة الفرنجة و قالت : what’s kshk ? أردت أن أقول لها و هل فهمتي معنى الغيطة حتى تسألي عن الكشك لكني لم أفعل فقلت لها في محاولة لترجمة الكلمة :” كشكي-جنق ” متبعاً قاعدة إضافة الإي إن جي لأي فعل بالإنجليزي , و أكملت شرحي لها عن الكشك فقلت :” يجتمع مجموعة من الرجال يلقي عليهم أحدهم أهزوجة فيبدؤون بترديدها مصحوبة بتصفيقٍ يشكل إيقاعاً موسيقياً , يتخلل هذا عرض فني من فنانة استعراضية نطلق عليها لقب هجالة , و ينتشر هذا الفن في الجزء الشرقي من البلاد و عند أهل البادية و نحن نتطير من عدة أشياء و نعتقد بأنها نذير شؤوم و تجلب سوء الحظ , في المعتقد الشعبي أن صوت المقص يجلب الأشياء السيئة لذلك نهانا أهلنا عن اللعب بالمقص , كذلك يعتبر صوت طرق معالق الأكل ببعضها البعض .. “.

-“مهلا , أنتم تستعملون ملاعق الأكل ؟, ألا تأكلون بأيديكم كما في الأفلام ؟” اللعنة على هوليوود التي أفسدت كل شيء ,قلت لها :” كلا , هؤلاء السعودييون و لسنا مثلهم , نعرف الملاعق ولا نعيش في الصحراء و لا نمتطي الجمال كما في الأفلام كوسيلة مواصلات “

مرت بقربنا حينها عائلة ليبية مكونة من أبٍ و أمٍ و ابنتهما , و ما أن رآني الأب حتى عرف بحدسه الليبي بأن من يقف أمامه أيضاً ليبي فما كان منه إلا أن أعطاني نظرة تقول لي :” لو راجل بحت في بنتي”, لم أهتم بهم بل عاودت الحديث مع الفتاة و قلت لها : من عاداتنا أيضاً أن نكون (نقصيين) و أن نتخذ وضعية دفاعية عند وجود أي ليبيٍ في الجوار و خصوصاً إذا كان شاباً و كانت بصحبتنا فتاة أو امرأة و الأن فلنخرج بسرعة حتى لا أصادف هذه العائلة مرة أخرى في ممرٍ أخر فيظن الوالد بأني ألحقهم لا سامح الله”.

2 views0 comments

Recent Posts

See All

جون المشاي

أدرك الآن بأنني كنت احمقا عندما ظننت بأن ما روتين الايام هناك ببنغازي كان مللاً، كلا.. فالملل صناعة قبرصية فاخرة، هنا تشابهت الايام و...

قرار وزاري

نشرة أخبار الثامنة مساء في عام 2030 السادة و السيدات مساء الخير قرر وزارة التربية و التعليم إضافة مادة اللغة الإيموجية إلى المنهج...

Comentários


bottom of page