top of page

مذكرات فتى توصيل

ahmedobenomran

يوم متأزم في العمل , سائق التوصيل لم يأتِ, دراجته تقف بالخارج تبحث عن من يمتلك رخصة لقيادتها , نتفق انا و الشيف الأخر على ان يقوم هو بأخذ الطلبات البعيدة و تكون الطلبات القريبة من نصيبي , هل قلت الشيف الأخر ؟ لم يمض على بدايتي العمل ثلاثة اشهر و صرت انادي نفسي شيفاً . يأتي طلبٌ فأجهزه و أرسله مع الشيف , ثم أخر فأخر تدخل فتاتان للمحل , تكشفهن ملامحهن الفارسية , تتقدم إحداهن , قصيرة الشعر و القامة , يغطي اللون الكستنائي رأسها تحدثني بالفارسية فأقول صادقاً بأني لا أتحدث الفارسية , تبتسم و تعتذر بالتركية ثم تحدثني بها , فأقول و كلي “إستعباط” بأنني لا أتحدث التركية أيضاً , تسألني بالإنجليزية “ماذا تتحدث إذن ؟” فأجيب مازحاً “العربية” تضحك كلاهما و ….. أمسح بعض الأسطر و أقرر أن أكتب عنها في المرة القادمة لا هذه المرة , يأتي طلب قريب فأستعد لمهمتي الكبيرة , توصيل الطعام مهمة أكبر من تحضيره , ما أصعب أن تحمل أمانة إلى أحدهم , و لك أن تتخيل أن تكون هذه الامانة هي الطعام الذي ينتظره صاحبه ليسد به جوعه , و المال الذي ينتظره صاحب المطعم ليملأ به جيبه , أخرج في هذا البرد حاملاً الكيس الدافئ , تقرر أن تصحبني أفكاري في هذه الرحلة , كم هو ممتعٌ أن تكون فتى توصيل (ترجمة حرفية) , أن تطرق عديد الابواب , و وراء كل بابٍ قصة تختلف عن غيرها , تستطيع أن تعرف طباع الناس من طريقة فتحهم للباب , هناك الذي يفتح الباب على مصراعيه كاشفاً الشقة كلها , عديم الأسرار الذي لا يملك شيئاً ليخفيه , من يخفض صوت الموسيقى قبل فتح الباب مانحاً إياك الشعور بالإحترام , من تمضي ساعة قبل أن يفتح لك , و بعد أن يفتح يكتفي بفتح جزءٍ صغير من الباب يكاد يظهر هو من خلفه , لكنه كافٍ لخروج رائحة الحشيش , يدرك هو متأخراً أن الرائحة قد وصلت إليك , فينظر إلى وجهك نظرة خوفٍ و ترجٍ أن لا تخبر أحداً أرجوك , ثم يقرر أن يترك لك الفكة كنوعٍ من الرشوة , الفتاة العربية التي زرت شقتها أكثر من مرة , كيف فتحت لك الباب أول مرة, صوت الموسيقي يعلو من خلفها دون غطاءٍ على رأسها , و كيف تحدثت معك بإبتسامة و لطف قبل أن تخطأ و تشكرها بالعربية فترتبك هي و تتغير كل الزيارات اللاحقة, لا موسيقي و حجابٌ و معاملة جافة ,

أتباطئ قليلاً في صعود السلالم كنوعٍ من الراحة تعطيها لنفسك , تذكر العرب الأخرين الذين لم تغير الغربة طباعهم , و يصرون على دعوتك للدخول بمجرد أن يتعرفواعليك , تبتسمم تعود لتذكر الأبواب العديدة , تستطيع معرفة الحالة المادية لكل شخص فقط لكونك فتى توصيل , تتعرف على الذي قد وصلته حوالة للتو من الوطن من صناديق البيتزا و فضلات الأكل التي لم يمض على وجودها سوى يوم, و تعرف الذي يحاول أن يقتصد من كمية الليرات الحديدية التي يعطيها لك , تعرف الذي قد أهلكته المذاكرة من فتحه للباب و طريقة فتحه للمحفظة و إعطائك النقود , و كأن لسان حاله يقول بانه لم يعد لي طاقة على استيعاب أي شيء اخر . أتسائل بين و بين نفسي قبل طرقي للباب ترى هل يفكرون هم في النفس الشيء؟ , اعني هل يفكر كل منهم في الشخص الذي طرق الباب ليعطيهم طعامهم , فُتح الباب أبتسم محياً إياه أناوله الطعام فيعطيني المال أشكره و أتمنى له وجبة هنية يغلق الباب دون أن ينظر لي حتى “كلا هم لا يفكرون , وحده فتى التوصيل هو من يفكر” أبتسم بينما أنزل الدرج , مهما كانت مشاكلك و متاعبك الشخصية , يجب أن تنسى كل ذلك بمجرد طرقك للباب , اللعنة لو أن كل فتى توصيل منح ورقة و قلمٍ لصار لدينا المئات من الفلاسفة و الإخصائين النفسيين.

0 views0 comments

Recent Posts

See All

31

30

Comments


bottom of page