top of page

ليبي، باكستاني و صهباء

ahmedobenomran

“كم اكره البشر”، قلتها لنادل المقهى الذي اجلس فيه الان على تمام الساعة العاشرة الا ربع، جلس هذا النادل الباكستاني و الذي لم تعد علاقتي به مجرد علاقة نادلٍ و زبون، بل صرنا أصدقاء نتبادل أطراف الحديث عندما يجلس هو ليستريح من عمله، امامي كوب “مكياطة” اعرف جيدا انني سأندم عليه لاحقا عندما يهجر النوم عيناي، روايةٌ أغلقتها للتو كإشارة صامتة للنادل بأنني ارحب بجلوسه، دائما ما عرف هذا النادل بنفسه على ان اسمه “اش” ، عرفت لاحقا بأن هذا الاسم ما هو الا مجرد اختصارٍ لاسمه الحقيقي الذي ما أن عرفته حتى ادركت سر اختصاره فالإسم غريبٌ لمن لا يتحدث الاردو، يعلق هو على هذا قائلا “الحكومة تقول بأن اسمي كذا و أنا أقول بأنه فقط اش، هذا دليلٌ اخرعلى انني معارضٌ للحكومة، أنا ثوريٌ حتى في اسمي” ، لا اعلم صدقًا إذا ما كان قد قال هذا فعلا أم انني اختلقت هذا حتى أضيف شيئا من الإثارة، لا اعلم، بادرني بالسؤال قائلا :” ولماذا تكرههم ؟”

اجبت :” لأنهم منافقون ببساطة، انظر لهم حولك، يتحدثون و يضحكون، و لكنهم يتألمون من الداخل، يحاولون ان يدفنو هذا الألم داخلا، يكبتنوه رغم رغبتهم الشديدة بإظهاره”

-” و من اخبرك بذلك ؟”أشعلت لفافة التبغ التي لففت للتو، العملية المعتادة، نفس من السيجارة يتبعه زفير :” ما اخبرني بوجود الم هو انهم بشر، اذكر صديقًا لي قال ذات مرة بأن وجود المٍ دليلٌ على وجود حياة، البشر يتألمون، وحدهم الأموات لا يتألمون، فمن لا يتألم إذن ليس من الأحياء بل من الأموات، يقولون بأن الإنجاب و الحرق من اكثر التجارب الماً، و هذا خاطىء، فأكثر التجارب ألماً هي التفكير ، التفكير في ماضيك أو حاضرك أو مستقبلك، و من لا يفكر في ماضيه ليتعلم من أخطائه أو لا يتأمل حاضره لمعرفة ذاته و إدراكها او من لا يتطلع لمستقبله مخططا و متسائلا عن المجهول هو ميت يمشي بين الأحياء و لا ينتمي لعالمهم، أما عما اخبرني برغبتهم الشديدة في إظهاره، إذا قمت بضرب يدك الان ستصرخ من الألم ولن تمانع هذا، الألم فعل و لكل فعل ردة فعل و ردة فعل الألم إظهاره، لكنني إذا ما قلت لك قبل ضربك انني سأقتلك إذا ما صرخت فستحاول كبت هذه الصرخة، و هذا ما يمنع هؤلاء من الصراخ، نحن نموت عضوياً مرةً واحدة، لكننا نموت كل يومٍ من الداخل، و ما يقتلنا هو احكام الناس و نظراتهم، يملك البشر نظرة فوقية للألم، هم يرون ان التألم دليل ضعف، ينسون مرارا ان الإله وحده لا يتألم و لا يحزن، ينسون ان التألم صفة بشرية، أو بالأحرى هم يتناسون ذلك في سعيهم للكمال، حتى صاروا مجرد ممثلين يتصنعون كل شيء، يتصنعون الفرح و الحب، يرسمون ابتسامة زائفة على وجهوهم يخفون بها حزنهم الذي صاروا يظهرونه فقط قبل النوم، لقد باتت وسائدنا الشاهد الوحيد على حقيقتنا، هناك أنت تضحك بحق و تبكي بحق”.

صمت اطبق على الطاولة ، ينظر هو بين الطاولات و انظر أنا بين وجوه الناس،

قطع هو الصمت متسائلاً : ” ماذا عنك ؟ الست مثل هؤلاء ؟”.

– :” إذا ما قلت لك بأنني لست مثلهم، سأكون مثلهم، كلهم يعتقد في قرارة نفسه بأنه أفضل من غيره رغم انهم نسخٌ كربونية لبعضهم، كلهم يسعون لذات الهدف و ذات الغاية بذات الطريقة، أنا لست أفضل منهم، هم رهبانٌ و أنا شيطان، لكنني شيطان حقيقي في دير الرهبان المزيفين، هم يهربون من حقيقتهم، يتصنعون المثالية، يبحثون عن الاهتمام كمن يبحث عن جثة أخيه وسط اشلاء متراصة، نحن لم نخلق متشابهين فلماذا لا نرضى باختلافنا و نقبل عيوبنا؟ انظر لهذه الصهباء، لون شعرها غريبة و ليس شائع، لكنها لم تعترض بل تقبلت ذلك فزاد هذا اللون جمالها”

3 views0 comments

Recent Posts

See All

31

Comments


bottom of page