top of page

قرية العميان (مسرحية) الجزء الأول

ahmedobenomran

(يسدل الستار كاشفاً عن ساحةٍ شبه مظلمة تصطف بها مجموعة محلات عشوائية، من خلف المحلات تظهر ظلال مباني عالية مضيئة، في وسط الساحة امام احد المحلات تظهر كابينة كهرباء تحمل لافتة قديمة كُتب عليها “خطر كهرباء”تُعزف بالعود مطلع اغنية الشيخ امام عيسى اذا الشمس غرقت، يخرج من خلف الكواليس شابٌ عشريني يرتدي ملابس غير متناسقة تماماً، يرتدي جوزاً من الاحذية لكل منهما شكل مختلف عن الأخر، يحمل في يده عصاً يحركها ذات اليمين و ذات اليسار متحسساً بها طريقه، تنخفض الموسيقى شيئا فشيئا حتى تختفي تماما)

“السلام عليكم”

يقولها الشباب عند اقترابه من اول المحال في الساحة

لا احد يجيب

يعيد الكرة بعد ان اقترب اكثر من المحل

لا مجيب مرة اخرى

يتحسس باب المحل المقفل بيده

” غريبة فتحي مزال مصكر…. ان شاء الله خير!”

“راه تطلع المراة ملخبطة و وعتني في الليل؟!! بس هي قالت انه ديك جارنا عيط ثمان مرات…”

“بعد العمر هذا كله يطلع حتى ديك جارنا عمى زينا”

يكمل الشاب طريقه ضاحكا قبل ان يتوقف مرة اخرى ضاربا كفه بجهته،

” ييييه اليوم يوم الجمعية و كلهم عند الشيخ”

لعن الشاب ابليس كونه سبب نسيانه هذا ثم اكمل حتى توقف امام كابينة الكهرباء، اخرج من جيبه مفتاحين، تحسس الباب بيده حتى وجد ثقب المفتاح فجعل يحاول ان يدخل المفتاح

مرة

اثنان

ثلاثة

نجحت الرابعة،

دخل الكابينة المظلمة ثم شرع يخرج منها بضعة ارفف حملت مجموعة بضائع مختلفة و عشوائية، اخر ما اخرج كان كرسياً وقطعة كرتون، وضع الكرسي امام الكابينة ثم علق الكرتونة على الباب، كان على الكرتونة مجموعة حروفٍ عربية لا تحمل اى معنى، ثم جلس على الكرسي،

” يارا والله ما انظني يجي حد اليوم، كلها عند الشيخ”

(من خلف الكواليس يأتي صوت عكازٌ اخر، يخرج رجلٌ تشبه ملابسه بشكل كبير الشاب الجالس، يبدو من مظهره بأنه في العقد الخامس من عمره)

ينظر الشاب نحو مصدر الصوت متسائلاُ

” من؟”

يجيبه الخمسيني قائلا: ” انا انا”

“خير يا سي ناجي اقرب جاي”

يتحسس سي ناجي طريقه بعصاه حتى وقف امام كابينة الكهرباء ثم سأل صاحب الكابينة

” فيه كراسي عندك؟”

يجيبه صاحبه قائلا: ” مد يدك وطلع واحد”

يسحب الرجل كرسيا من داخل الكابينة ثم يجلس رفقة صاحبها

“شحالك اليوم يا شواف؟”

تسائل ناجي

” الحمد لله يا سي ناجي شحالك انت وكيف اصبحت؟”

” لا في نعمة الحمد لله”

“تشرب معايا طاسة حمراء؟”

” وباهي يا سي”

يقف شواف متحسسا طريقه للداخل قبل ان يعود حاملاً موقد غاز من نوع بريموس وعدة الشاي، جلس شواف على كرسيه واضعا الموقد امامه و هم في تحضير الشاي

” كنه السوق مسكت؟”

تسائل ناجي بعد ان ادار راسه ذات اليمين و اليسار كمن يبحث عن احدهم

” والله انظني كان نحن مش غالطين وجايين ليل يبقى الباقي قاعدين عند المختار يبو ورقة الجمعية”

اجابه شواف بينما انهمك في سكب الماء في ابريق الشاي

” جايين ليل؟!….”

قالها ناجي متعجباً ثم اكمل قائلا

” لا ما اظنيش، وانا جاي سمعت صوت بيابات (ابواق) سيارات العرب اللي جنبنا هذوما”

” يبقى معناها رسمي الجماعة عند المختار…. خطرها يا سي ناجي، انت عاشرتهن السيارات؟”

” اييه انا اللي عاشرتهن”

” احكيلي عليه والنبي”

” توا نحكيلك عليهن بس قولي قبلها، كنهم الجماعة عند المختار؟ الجمعية جايبة حاجة؟”

” يا سي الاسبوع اللي فات قالو الجمعية جايبة صابون و تبي توزعه علينا، بس قالو كل واحد لازم يجيب ورقة من المختار”

” ورقة شنو هذي؟”

” عشان يتاكدو ان هذا محتاج صابون”

” يعني عشان ناخذ صابون نجيب ورقة تقول اني معفن؟”

ضحك الشاب موافقاً

” عشنا و شفنا والله “

صمت ناجي للحظة قبل ان يعود

” ولا ما شفنا شي بكل”

ضحك الاثنان سوية قبل ان يتسائل شواف وهو يفتح ابريق الشاي متفقدا اياه

” احكيلي عالسيارات يا سي ناجي”

مال ناجي بظهرها متكيا على الكرسي قبل ان يتحدث قائلاً :

” اييه ذكرتني بأيام زمان والله، السيارات هذينا يا سي كانت حاجة حديد فيهن محرك تشيل فينا من مكان لمكان”

” زي الحمير توا عندنا”

“ههههه ايوه، بس حميركم وين وسياراتنا وين؟”

” وليش مافيش حد في المنطقة عنده سيارة يا سي ناجي؟”

” عاجبتهم الحمير…. توا كيف يبو يسوقو وهما مافيهمش حد يشوف يا شواف؟”

” صدقت والله”

قالها شواف و هو يناول كوب الشاي لناجي

” هي تفضل يا سي ناجي”

مد الاثنان يديهما في الهواء محاولاً كل منهم ايجاد يد الاخر

بعد بضعة محاولات بائت بالفشل تمكنا اخيرا من اتمام عملية التسليم و الاستلام

امسك ناجي الكوب متفحصا اياه قائلا”

“هذي شكلها طاسة خضرة يا شواف، راك تقعد ملخبط في الحشيشة؟”

“عيب يا سي ناجي متاكد منها ما عنديش الا هي اصلا، بس انت كيف شفتها اللي قلت هذي خضرة؟”

” راك تحسابني عمى؟ انا نشوف انتو اللي ما تشوفوش بس؟”

ضحك شواف قليلا قبل ان يقول ” باهي يا سي ناجي كذه مد يدك في الصندوق اللي جنبك قولي شن يطلع فيه”

” مش مصدقني يعني؟ عيب هذي… بس عناد فيك هاه”

مد ناجي في الصندوق ثم اخرجها ممسكا بفستان سواريه نظر فيه قليلا ثم قال :

” ساهلة، قرار برلماني”

كان شواف قد اخذ للتو رشفة شاي ولكن ما قاله ناجي جعله ينفث الشاي من فمه مصدوماً

” غير وحد الله يا سي نجي شن دوتها قرار برلماني هذي”

قالها شواف وهو يمسح اثار الشاي من فمه

” هاك امسك شوف بروحك”

رد عليه ناجي مناولاً اياه الفستان

امسك شواف الفستان ثم بدأ في تلمسه متفحصاً اياه محاولاً التعرف على الشيء الذي يمسكه في يده قبل ان يبتسم ابتسامة خفيفة و يقول:

” ياسي ناجي هذا قفطان نوم يا سي ناجي”

لم يبالي ناجي بما قاله رفيقه للتو و ابتسم هازئاً ثم قال :

” مافيش فرق يا ودي بالعكس توا انت كان جابولك قرار برلماني و وحدة لابسة هذا من اللي حتسمعه؟”

“طبعا اللي لابسة القفطان”

” شفت توا؟”

“لا شفت يا سي ناجي”

“ههههه توا عليش الكذب من امتى تشوف انت؟”

صمت شواف قليلاً ثم قال

” لا حتى انا نشوف كيفك راه”

“والنبي صحيح؟، باهي هاك شوفلي هذي شنو”

اخرج ناجي من جيبه بطاقة ما حاول ان يناولها لشواف

بضع حركاتٍ عشوائية في الهواء

يمسكها شواف

ثم يقول

” ساهلة، بطاقة هذي”

يجيبه ناجي قائلا:

“عارفها بطاقة انا، نبي الاسم اللي عليها”

يبتسم شواف قليلا ثم يقول

“حتى هي ساهلة، مدام بطاقتك يبقى عليها اسمك، ناجي”

“ريت كيف انك كذاب؟، الاسم اللي عليها مش ناجي”

“كيف هذي، مش بطاقتك هي؟”

“انعم يا سيدي بطاقتي”

“يبقى عليها اسمك…ناجي”

“لا ما انا اسمي مش ناجي “

“امالا شن اسمك يا سي ناجي”

صمت ناجي لوهلة ثم قال

” لؤي”

ضحك شواف ثم قال

” الله يعطيك الخير يا سي ناجي ضحكتني والله، لؤي كيف بس؟”

“نحكيلك جد، هاك اقرا بروحك”

ضحك الإثنان معًا قبل ان يبادر شواف قائلاً

” امالا شن قصتها ناجي هذي؟”

اسند ناجي ظهره إلى الخلف قليلا قبل ان يسترسل في الحديث قائلا:

” هذا يا سيدي زمان قالو كان فيه ذيابة حيهجمن على المنطقة، طلع علينا المختار وقال ما تخافوش الحكومة دازتلنا ثلاثمية كلب عشان يحرسن المنطقة، الاهالي ما صدقوش ولمو العويلة الصغار كلهم وحطونا على حمير وطلع بينا واحد للجبل عشان نكرسو غادي”

“وشن صار بعدها يا سي ناجي؟”

” طلع لا فيه ذيب لا فيه ذيابة “

” باهي وانت ليش سموك ناجي؟”

” ما اللي كان طالع بينا نسى الطريق ورحنا وبعد وين و وين الناس تدور فينا لقوني انا وحمار بس اللي عايشين، كنت مرمي عالتراب والحمار راقد جنبي”

” باهي؟”

“خلاص روحو بيا وقعدوا يقولولي ناجي عشان نجيت”

“والحمار شن صار فيه”

” الحمار حطوه وزير”

“هو فيه حمار وزير؟”

“وشن اللي خلانا هكي غير الحمير نحن؟”

ضحك الاثنان سوية قبل ان يصمتا بينما ارتشف ناجي رشفة من كوبه

خيم الصمت على المكان

لم يقطع الصمت سوى اصوات اقدامٍ قادمة من الخلف، ينظر الثنائي نحو مصدر الصوت

(من خلف الكواليس يدخل مجموعة من العميان تبدو عليهم ملامح التعب والإرهاق)

“السلام عليكم”

يقول الاعمى في مقدمة الداخلين ليعرف اذا ما كان احدهم بالميدان، يقول ناجي لرفيقه

“هذا واحد من المعفنين جا”

يضحك شواف

يضحك الاعمى الجديد قبل ان يقول

” لا المعفنين كلهم يا ناجي”

يبتسم ناجي قليلاً بينما يكمل الداخلون مسيرهم نحو محالهم

يقول الاعمى الجديد وهو يفتح دكانه

“راك تقعد مش حاسب روحك معانا من المعفنين يا ناجي؟”

يجيبه ناجي قائلاً

” لا يا باتي، انا معفن بيني وبين روحي، اما انتو فمعفنين باعتراف الحكومة”

يضحك الجميع بينما يهز الاعمى الجديد راسه قائلاً:

“اللي راح منك في النظر جاك في اللسان يا ناجي”

يكمل الباعة فتح دكاكينهم بينما ينحني ناجي نحو شواف قائلاُ :

“خطرها عالوزراء، قالك مرة طلع حمار على وزير الصحة دار حادث خبط في وزير الكهرباء، جا المرور دار الغلط عالسيارات”

نظر نحوه شواف قائلاً:

“كيف هذي يا سي ناجي، مش كانت دارو الغلط في الطريق؟”

“اها زمان هذي، بس بعدها زعل وزير التخطيط”

اجابه ناجي

“باهي ليش ما دروه عالحمار اللي طلع عليهم”

“ما حتى هو معاهم في الوزارة”

بينما يضحك الاثنان معا يدخل الميدان شابٌ يبدو اصغر من الجميع، يرتدي ملابس متناسقة وشبه رسمية، يحمل في احدى يديه كتباً بينما يمسك بالأخرى عصا يحاول بيها ايجاد طريقه، وقف عند مدخل السوق قبل ان يقول

” روحتو؟ عطوكم شهادات عفن وروحتو؟”

” خطانا يا عارف”

يصيح به احد الباعة

” طبعاً حتقولي خطانا، كلامي حيوجعكم يا ريته وجعكم العفن لما خذيتو شهاداته”

“شن تبي يا عارف؟”

يسأله ناجي

“نبيكم تفطنوا بس”

يجيبه عارف بينما يقترب شيئا فشيئا منه متحسسا طريقه بعكازه

“نبيكم تفطنوا يا ناجي…في الاول خذوا منكم الضي، بعدها خذو منكم اراضيكم بالسيف”

يشير عارف إلى المباني العالية في الخلفية

“بنوا فيهن ابراج غطن عليكم الشمس، وقعدتوا عايشين في خرابة ظلام”

يصمت عارف قليلاً قبل ان يستئنف قائلاً

“واليوم خلوكم تجيبوا شهادات عشان تاخذو صابون، تخيل تاخذ ورقة مكتوب فيها تهيب الحكومة الوطنية بأن المواطن فلان الفلاني مواطنٌ معفنٌ و انه بحاجة إلى صابون استحمام، وتاخذ انت الورقة تروح بيها فرحان؟”

كان الجميع قد وقف في مكانه ينظر نحو عارف بحزنٍ واسى لكن عارف لم يكن عارفاً بذلك، فأكمل حديثه قائلاً:

” صدقوا فيكم، انتو معفنين، بس مش من زمان، وعفنكم هذا لا ينغسل لا بمية لا بصابون”

“خلاص يا عارف”

صاح بيها البائع الأعمى

قام ناجي من مقعده ببطيءٍ، وقف حانياً ظهره في انكسار، ثم قال:

“عارف عنده حق يا جماعة”

سأله البائع قائلاً:

“عارفين عنده حق بس شن نديرو يا ناجي”

“ما نسكتوش يا ميلاد، ما نسكتوش”

رد ميلاد قائلاً:

” اهو قاعدين نحكو هنا شن الفائدة”

“لا ما نحكوش هنا، هنا ظلام مش حيشوفونا، لازم نطلعو مظاهرة”

“انت خرفت يا ناجي؟”

“لا انا اعقل واحد، انا ماشي لشارعهم، اللي مزال حاس انه مش معفن يلحقني، و اللي عاجبه العفن يقعد”

يتحرك ناجي ببطيء خارجاً من الميدان

*يغلق الستار بينما يبدأ الأخرون في التحرك خلف ناجي”

14 views0 comments

Comments


bottom of page