*تفتح الستارة لتكشف عن الميدان الذي في المشهد الاول، كان كل العميان يجلسون في توجس، ينتظرون عودة ناجي من حيث كان، كل الدكاكين مغلقة، الإضاءة تماماً كما كانت في المشهد، خافتة تكاد تكون معدومة”
“طول سي ناجي”
قالها شواف وقد افترش الارض في المنتصف
“سيدك ناجي ما انظني ينجى”
رد عليه ميلاد بنبرة جادة خالية من الرجاء
“قول خير يا سي ميلاد”
طلب منه شواف قليلاً من التفائل
“منين يجيه الخير وهو مشالهم بروحه قاله ما تفقصش للذيب وتقول …”
قاطع ميلاد صوت اقدامٍ وعكازة قادم من الخلفية
نظر الكل نحو مصدر الصوت
“سي ناجي؟”
تسائل شواف بلهفة
لم يجبه احد
من الخلف دخل عارف حاملاً كتبه في يده
“شنو روح ناجي؟”
تسائل عارف فور دخوله
احس الاخرون بخيبة امل عند سماعهم صوته فعادوا إلى وضعهم الاول،
“في الطريق”
اجابه شواف
“كان مش هو عالاقل خبره”
اردف بعدها وقد بدأت الخيبة تتسلل إليه
“توا شن كان يبي فيه المشية حتى هو، مش كان قعد معانا خيرله؟”
قالها ميلاد بصوت كان يملؤه الخوف قبل ان يخاطب عارف دون ان يلتفت قائلا:
“ان شاء الله غير متريح يا سي عارف انت”
صُدم عارف من كلام ميلاد له فأجاب قائلاً:” كنا متريحين قاعدين لعند ما جيت حضرتك وقلتلنا اطلعو عليهم”
“انت مسمي اللي كنت فيه راحة يا ميلاد؟، قاعد مرمي هنا مافيه واحد مهتم بيك وتقولي راحة”
” كنا عايشين ناكلوا ونشربوا ونرقدوا”
“حتى البهايم تاكل وترقد يا ميلاد”
“احترم نفسك”
قالها ميلاد وهو يتجه نحو صوت عارف، يمسكه شواف بعد بضعة محاولة لمعرفة مكان وقوفه
“يا جماعة وحدوا الله نحن في شنو ولا شنو توا”
صرخ بها ميلاد محاولٍ تهدئة الوضع
“عيب يا عارف هذا سيدك ميلاد اكبر منك عيب، وانت يا سي ميلاد كبيرنا وعاقلنا عادما يصيرش هكي”
“الله يلعن الشيطان”
قالها ميلاد بينما وقف بين يدي شواف، هم ميلاد بالحديث لكن صوت نقرات عكازٍ قادمة من الخلف قاطعه،
ترافق النقرات دندنة مبتهجة:
“ليش ليش وين ما وعدتي
وعدتي وماوفيتي
زعم ناسية ولا
ولا غلاي نسيتي”
تطلع الجميع نحو مصدر الصوت
“سي ناجي”
قالها شواف متلهفا وهو يقوم من مقعده
“السلام عليكم”
قالها ناجي محيياً بينما يدخل الميدان
“وعليكم السلام ورحمة الله”
رد عليه الجميع ببهجة
يتجه الجمع نحو ناجي بخطىً بطيئة
يتجه ناجي نحوهم
يلتقى الجمع
احضان
“حمد لله على السلامة يا ناجي”
قالها ميلاد ضاماً اياه
يقف ناجي في نوعٍ من الذهول
“كنكم يا جماعة؟”
يسأل ناجي
“انشغلنا عليك يا سي ناجي”
يجيبه شواف بينما يضمه هو الاخر
يصيح ميلاد في باقي العميان قائلاً
“وخرو خلوه يتريح يا جماعة”
يفسح بعض العميان الطريق نحو منتصف الميدان
” انت مسمي هذي راحة يا ميلاد؟ عليا اليمين بعد اللي كنت فيه معاد فيه راحة”
يتلمس ناجي الكرسي امامه قبل ان يجلس عليه، كان المشهد كأن شيخ طريقة يجلس في منتصف الميدان بينما تحولق حوله مريديه
” قوللنا يا سي ناجي، شفته؟”
سأله شواف بينما وقف بالقرب منه
“شن اللي شفته يا شواف؟”
“الوزير يا سي ناجي الوزير”
“وانا من امتى نشوف يا شواف؟”
اجاب ناجي ساخراً
“قوللنا شن صار عاد يا ناجي”
قالها ميلاد مستعجلاً ناجي للحديث
” شن تبوني نقوللكم ولا نقوللكم؟، هذا يا سيدي بعد ما سيبتكم خشيت لحوش الوزير، حوش واسع كبير كل زرع وخضار وورد”
“وانت كيف عرفته واسع وفيه ورد وانت ما تشوف؟”
سأله ميلاد
“ما شميتش فيه بنة البصل متاعك يا ميلاد”
رد عليه ناجي قبل ان يكمل قائلاً
” عليم الله يا جماعة اني حسيت روحي في مكان تقول مش هنا، تقول جنة ربي، يا اخي تخيل حوش الوزير تخشله الشمس؟!
اول ما صبيت في الشمس حسيت روحي مصبي مع صاحب قديم ليا سنين ما شفته، وضيفوني عصير مش عارف شنو”
” وامتى جاك الوزير يا ناجي”
سأله ميلاد مرة اخرى وقد بدأ الفضول يعتريه
رد عليه ناجي قائلا:
“وحد الله يا ميلاد، اصبر يا اخي، تحسابه يطلع دغري؟ وزير هذا يا اخي، بعد شربوني العصير وضيفوني، جاني الوزير”
“وكيف كان شكله يا سي ناجي؟”
سأله شواف
“نفس ما نشوفو فيه في التلفزيون يا شواف، سلم عليا ورحب بيا تقول يعرفني من زمان وقعدنا نهدرزوا”
“شن هدرزتوا يا ناجي؟”
سأل ميلاد
” هدرزتله على مشاكلنا و حياتنا وكيف انه نعانوا قاعدين وحكالي على عميان التشيلي ونيكاراغوا وكيف انهم متبهدلين حتى هما، تخيل العمى في بوركينا فاسو ما يشوفش؟ وقالي ما تخافش كل مشكاكلم حينحلن وينتهين، وفيه الكبيرة عاد، الراجل من كثر ما عجبته، قبل يبي يحطني سفير في بلاد برا”
“شن معناها سفير يا سي ناجي؟”
سأل شوف في فضول
“سفير هذا يا شواف حد تدزه الدولة لدولة اخرى عشان يديرلها دعاية غادي، لكن انا قتله ما نقدرش، انا برا بلادنا ما نعرفش نعيش، فالراجل عرض عليا شغل معاه وشقة جنبه”
ساد الصمت بين الحاضرين، فيما ظل ناجي مبتسماً
“شراك يعني يا ناجي؟”
قالها صوتٌ قادمٌ من خلف الجالسين
التفت الكل نحو مصدر الصوت فيما تقدم صاحب الصوت ببطيء نحوهم
“شراك بشقة و منصب يا ناجي؟”
“قول خير يا عارف؟”
قالها ميلاد محاولاً اسكات الشاب وتجنب هذا الحديث
“من وين يبي يجي الخير يا ميلاد؟” رد عليه ميلاد ثم اكمل
” من وين يبي يجي الخير واللي كنا نحسابوه كبيرنا اللي يبي يجيبلنا حقنا طلع رخيص شروه بشقة ومنصب؟”
نهض ناجي من كرسيه قائلاً
” احترم نفسك يا عارف، مش انا اللي رخيص”
” امالا من يا ناجي؟”
“يا راجل قلنالك الوزير قالي انه حينهي مشاكلنا كلهن، كنك مستعجل؟”
“مستعجل لأنها كذبة يا ناجي، لأنه يبي يسكتكك و يسكتنا، بكرة قرية الصم يطلعو مظاهرة ويصيرلهم نفس الشي، وبعدها البكم، وتمشي كلها هكي لعند معاش يقعد فيه حد مش شاريينه”
“قصدك فيه غيرنا بكم وصم يا عارف؟”
سأل شواف
اجابه عارف قائلاً
“اينعم يا شواف، البلاد اللي هلها يشوفو الغلط و ويغمضو عيونهم عليه، و تشوف الحرام وتسكت عليه، وتسمع بالعيب بس تطنش، هي بلاد كلها عمي وصم وبكم، هي ارضٌ لا شيء فيها يستحق الحياة”
قال عارف الجملة الاخيرة بطريقة شاعرية كأنه يرد على محمود درويش
اندفع ناجي نحوه
” خلاص يا اخي، خلاص، يا اخي افهم، الحياة راه مش نفس اللي تقرا فيه في الكتب، اهو تشوف فينا كيف عايشينا، خلينا نحلمو شوية، خلينا نقولو بلكي بكرة يتغير الحال….
شن شفت منها انت يا عارف، الحياة كلها واخذه من الكتب و ناسينا نحن، يا اخي انت اكثر واحد فينا متعلم وفاهم، بس مازلت لعند نهار اليوم مش قادر تمشي في المنطقة بدون ما تريح، بدون ما تودر الطريق لأنك ما تعرفهش، لأنك ما تعرفنش، شن فائدة تفهم شيكسبر وفيكتور هيوجو وكارل ماركس وانت مش فاهم ميلاد وشواف و ناجي…
يعني عشان قريت كتابين تحساب روحك احسن منا، مدام تحساب هكي فوالله مانك احسن منا، الا كيفك كيفنا، على الاقل نحن جينا عميان بصر، كلا انت لا طلعت ببصر لا ببصيرة يا عارف، حياتنا ظلام، مستقبلنا ظلام، نبوا نمسكوا في اي حاجة، في اي فرصة، في اي امل حتى لو كان كاذب…”
صمت ناجي قليلاً قبل ان يقف في المنتصف ويعود قائلاً: “يا صديقي نحن الذين ولدوا في الظلام
عاشوا في ظلام
كبرو في ظلام
فمن أين نأتي بقبسٍ يضيء لنا طريقنا؟
كيف نشعل شمعةً نهتدي بنورها وقد ذابت شمعتنا واحترقت؟
انا لما صبيت في الشمس بدري خفت، لأنني لا اعرفها، نحن الذين تخاف اعيوننا النور، لأنها لا تعرفه…” يصمت من جديد ثم يعود قائلا:
“كيف تبينا نطلعوا للنور، كيف تلوم عليا عشان وافقت، الراجل وعدني وقالي انه هو ووزارته حيديرو حل لمشكلتنا، الراجل حلف انه هو بروحه حيهتم بالموضوع وحيشرف عليه، وبكرة عندي معاه موعد اخر في الوزارة عشان نوريه المشاكل وطلباتكم عشان يديرهن لنا، وتجي انت تقولي شراك يا عارف؟”
ينكس ناجي رأسه في حزنٍ بينما يصمت الجميع ويقفون منكسي رؤوسهم، يقترب شواف قليلا من ناجي
“معليش يا سي ناجي عارف مكانش قصده راه، تعال تأسف من سيدك ناجي يا عارف”
قالها شواف محاولاً الاصلاح بين الكفيفين، الا ان عارف لم يجب ولم يحرك ساكناً
“شكله حس روحه غلط فمشى، ما تزعلش روحك يا سي ناجي” ثم بدأ شواف في لمس وجه ناجي حتى وجد رأسه فاقترب منها مُقبلاً اياها، فماكان من ناجي الا ان ضمه اليه بينما ظل باقي العميان واقفين في مكانهم لا يدرون عما يدور حولهم ابتسم شواف بعد ضم ناجي له ثم قال له
“ربي يطولنا في عمرك يا سي ناجي”
ثم التفت نحو الاخرين قائلاً
” هيا يا جماعة صبوا طابور قدام سي ناجي عشان يشوف كل واحد فيكم شن يبي بيش يشيلهن بكرة للوزير…” عاد بالنظر نحو ناجي كأنه تذكر شيئاً فجأة ثم قال:
” الا خطرها يا سي ناجي، الوزير اللي يبي يهتم بينا هذا ما تعرفش وزير شنو؟”
رد عليه ناجي قائلاً
” عيب عليك يا شواف معقولة ما نعرفش، سألته قبل ما نطلع من عنده وقالي، هذا يا سيدي وزير الثروة الحيوانية”
تعجب شواف فقال
“الوزير متاع شنو يعني ؟”
“وزير البهايم”
قالها عارف الذي مزال واقفاً في مكانه
(النهاية)
Comentarios