قرية العميان الجزء الثاني (المظاهرة)
- ahmedobenomran
- Jul 30, 2021
- 4 min read
*يفتح الستار، تظهر على الخشبة ساحة اخرى، في خلفية الساحة تظهر ثلاث وزارات، في الطرف الايمن مبنى يقف امامه تماثلٌ العدالة الشهير، إلا ان هذا التمثال لم يكن معصوب العينين، ولم يكن يحمل سيفاً، كان في يد التمثال اليسرى نقود، وفي يده اليمنى ميزان، في كفة الميزان الاولى رجلٌ شديد النحافة مقطع الثياب، وفي الكفة الأخرى رجلٌ سمين يرتدي بدلة، وكانت كفة الرجل السمين هي العليا، فوق المبنى لوحة كُتب عليها “وزارة العدل”، على يسار وزارة العدل كان هناك مبنى اخر الا انه لم يكن مكتملاُ بعد، كان اشبه بموقع بناء مهجور لا بمبنى، امام الموقع كانت هناك لافتة كتب عليها
“مشروع انشاء وزارة التخطيط
تنفيذ شركة فلان
اشراف وزارة التخطيط
تاريخ انتهاء المشروع ديسمبر 1888
بجوار المبنى الثاني، وفي الطرف الايسير مبنى ثالث مكتمل البناء، الا انه هو الاخر كان يبدو مهجوراً، فوق المبنى لافتة كُتب عليها “وزارة العمل”
امام الوزارة مجموعة من الشباب يجلسون على الارض وبجانب كل منهم مطرقة وبعض ادوات البناء
في منتصف الساحة وقف العميان يحملون لافتات مختلفة، لاشيء مفهوم على اللافتات، فقط بضعة حروفٍ عربية موضوعةٍ بشكلٍ عشوائي كخربشات طفلٍ صغير في حين كان كل منهم ينظر في جهة تختلف عن الأخرين كأن كلاً منهم كان لوحده*
“يسقط يسقط الوزير”
صح بها ناجي الذي كان يقف في المنتصف تماما
“يسقط يسقط الوزير”
رددها الجمع ورائها
“يا وزير يا ملعون انت اللي تبيلك صابون”
يصيح ناجي بأعلى صوته
“يا وزير يا ملعون انت اللي تبيلك صابون”
يردد الأخرون من خلفه مرة أخرى
تدخل في هذه الأثناء شابةٌ ذات شعرٍ اسودٍ مسدول، تحمل في يدها لاقط صوت ومن خلفها يدخل مصورٌ يحمل على كتفه كاميرا نقل تلفزيوني، تقف الفتاة امام وزارة العمل، تعدل هندامها، تنظر نحو الكاميرا ثم تبدأ في الحديث بينما يستمر العميان في الهتاف من خلفها
“كما ترون الان اعزائي المشاهدين، تستمر خلفي مظاهرة العميان، من وسط ميدان الوزارات، لا أحد يعرف سبب خروجهم الان وفي هذا الوقت، البعض يقول بأنهم مندسون يهدفون للتخريب، بينما صرح احد النواب قائلاً بأنهم عملاء لقوى الشر الخارجية التي تريد تشويه صورة بلادنا وانه لا عميان اصلا في بلادنا…”
“يا وزير يا جبان اطلع جوك العميان”
يصيح ناجي مرة اخرى
“يا وزير يا جبان اطلع جوك العميان” يرددها العميان بحماسٍ اكبر من سابقه هذه المرة
تكمل المذيعة حديثها
“لنتعرف اكثر عن المتظاهرين وسبب تظاهرهم ننتقل إلى وسطهم لنسألهم مباشرة”
تقترب المذيعة من ناجي
“لو سمحت، حدثنا عن اسباب تظاهركم؟”
يتفاجئ ناجي بيها فيقول مرتبكاً
“من انتو؟ انتو شور الوزارة؟”
“لا نحن قناة تلفزيون”
ينظر ناجي خلفه عشوائيا قائلا
“الصوت يا شباب التلفزيون جا”
يصمت كبار السن من العميان
يصيح شواف قائلاً
“التلفزيون هذا مسؤول اجنبي يا سي ناجي؟” ينهره العميان بجانبه
يسأل ناجي المذيعة
“شور من قناتكم انتو؟”
تجيبه المذيعة قائلةُ
” نحن قناة اجنبية، نريد ان نعرف من انتم؟”
يتنحنح ناجي قائلاً
“بسم الله الرحمن الرحيم، اولاً نترحم على شهدائنا الابرار، والشفاء العاجل لكل جرحانا، وعودة كل اسرانا ومفقودينا..”
تقاطعه المذيعة
” عندكم جرحى واسرى؟”
يرتبك ناجي
“كيف يا بنتي؟”
تجيبه المذيعة بذات النبرة
“انت دعوت بالشفاء العاجل للجرحى وعودة الاسرى، عندكم اسرى و جرحى؟”
يزداد ارتباك ناجي
” والله يا بنتي انا نسمع فيهم يقولو فيها فقلتها”
“فهمتك، هلا اخبرتنا عنكم؟”
” والله نحن من منطقة اسمها منطقة العميان”
“وما سبب تسميتها بهذا الاسم”
“ههه والله شوفة عينك يعني”
“وكيف فقدتم البصر؟”
“والله قصة طويلة هي عرفتي كيف، الضي قعد ينقطع علينا بالليالي لعند راح بكل، وقعدنا عايشين عالشمس، بعدين عرفتي كيف؟، جا واحد بنى عمارات طوال غطت الشمس علينا، فقعد يومنا كله ظلام لانعرفوه صبح لا ليل”
“وما سبب انقطاع الكهرباء عنكم؟”
“هي بيني وبينك يعني قبل قصة الضي هذي كنا كل يومين نسمعو على فلان دار حمام ورقد تحت المكيف لقوه ميت في الصبح، فشكله الحكومة من خوفها علينا قصو الضي والمية عشان معاش حد يدير هكي”
“وما سبب تظاهركم اليوم؟”
“نحن خلاص معاش نتحملو، قمعزنا وفكرنا وقلنا لازم نطلعو عليه…”
“ولكن ألم تخافوا من التفكير؟”
“كيف؟”
يتفاجىء ناجي
“في اخر بحث علمي أثبتت الدراسات ان التفكير خطير وقد يسبب الوفاة”
ترد عليه المذيعة
“قصدك التفكير يقتل! توا عرفت عليش مافيش مسؤول يموت هنا”
يصمت ناجي قليلا ثم يدير وجهه شطر العميان خلفه
“اسمعو هذي يا شباب
يا وزير يا عميل
فيش تراجي استقيل”
يردد العميان من خلفه
“يا وزير ياعميل فيش تراجي استقيل”
يُسكتهم ناجي قبل ان يعود للمذيعة قائلاً
“عرفتي كيف؟”
” احد النواب اليوم اتهمكم بالعمالة، ما رأيك في هذا؟”
” نحن مش عمالة، نحن كلنا مواطنين وعندنا اوراق، وبعدين كنهم العمالة، ما حتى هما ناس”
“ولكن ما هي مطالبكم الان؟”
“مطالبنا هي اللي مكتوبة على اللافتات، يستقيل الوزير”
“عفوا ولكن اي وزير فيهم؟”
“قصدك في اكثر من وزير هو، نا ريته البلاد رايحة، مش مهم اي واحد، يا ستي هي يستقيلو كلهم عساس فيهم حد ينفع هما”
“شكرا لك “
“بلكي تبي تسألي اخرى”
قالها ناجي بنبرة فيها بعض الرجاء بينما انسحب المذيعة قليلاً ثم توقفت امام الكاميرا مرة اخرى
“اذن كما رأينا جميعاً كانت هذه مظاهرة العميان، وفي الوقت الذي تجري فيه المظاهرة يبدو ان مجموعة من الشباب قررو الإعتصام اما وزارة العمل”
تذهب بلاقط الصوت نحن احد الشباب الجالسون امام وزارة العمل
“هل انتم مشاركون في هذه المظاهرة ام انكم معتصمون لوحدكم؟”
ينظر نحوها الشباب قائلاً
“اي مظاهرة واي اعتصام، جايين نشتغلو نحن”
تنظر المذيعة نحو الكاميرا قائلة
“اذن يبدو ان هؤلاء الشباب هنا لتقديم اوراقهم لوزارة العمل”
تعود للشاب مرة اخرى
“عفوا، ما هي مؤهلاتكم العلمية”
يجيبها الشاب قائلاً
“العبد لله خريج طب بشري”
ينظر يمينا ويساراً ثم يقول
“فيه شباب خريجين هندسة، قانون اقتصاد”
تنظر المذيعة نحو ثيابهم الرثة ثم تقول
“ولكن الا تظن هذه الملابس لا تليق بالوزارة؟”
يستغرب الشاب فيسأل
“اي وزارة؟”
“وزراة العمل، اللي جايين تقدمولها”
” اهااا تحسابينه جايين للوزارة بيش تشغلنا، تي هو وزير العمل بروحه عاطل عن العمل”
“لكن الم تقل بأنكم هنا للعمل؟”
“اينعم، العبد لله سباك”
ينظر نحو يمينه ويساره
“والشباب فيهم كهربائيين ولياسين وعتالين، وقاعدين نراجو في الرزق”
تتلعثم المذيعة قليلاً
“وين قائد المظاهر هذي؟”
يأتي الصوت من خلف الكواليس فيصمت الكل وينظرون نحو مصدر الصوت
“الوزير يبي كبيركم يحكي معاه، من قائد المظاهرة؟”
يسأل الصوت المجهول
يصمت الجميع
تنتشر غمغمة بين المتظاهرين
يقول احدهم
“ناجي”
يؤكد احدهم
“صاح ناجي”
“شوفهم يا ناجي”
“وين ناجي هذا؟”
يسأل الصوت المجهول
يرتبك ناجي
يتررد
ثم يقول
“اا انا “
يطلب منه الصوت الإقتراب
يقترب ناجي بخطى ثقيلة
“وقف لحظة”
يأمره الصوت المجهول
يتوقف ناجي كأنه تجمد
“كان تبي تخش، قول للي معاك يروحو”
“خخ خلاص يا شبباب، رروحو انتو، وكان طولت انا ديرولي تمثال في المنطقة اه”
تخرج غمغمة اخرى من بين العميان، يصيح فيهم ناجي قائلاً
“خلاص روحو قلنا، انا عند الحكومة، تبو تخافو عليا اكثر من الحكومة انتو؟”
يتحرك العميان بشكل عشوائيٍ بينما يهم ناجي مقتربا من الصوت
*تغلق الستارة*
يٌتبع…
Comments