top of page

في الزواج الليبي

ahmedobenomran

‏إن الناظر للمجتمع الليبي سيلاحظ حتماَ هوس الشباب بالزواج في هذا المجتمع , سيلاحظ ذلك على صفحات التواصل الإجتماعي او في احاديث الشباب اليومية, و حتى نكون منصفين فليس كل الشباب مصابين بهذا الهوس و لكن على الأقل جزءٌ كبيرٌ منهم, و حتى نكون منصفين مرة اخرى , فمن الصعب معرفة اذا ما كان هذا الهوس ظاهرةً جديدةً على المجتمع ام انه متأصلٌ فيه منذ القدم, فالوقوف في احد الطرفين يحتاج دراساتٍ تاريخية و إجتماعية و لأنه من الصعب الوصول إلى مثل هذه الدراسات , فالوقوف في المنتصف و تجاوز الماضي و التركيز على الحاضر يعد أفضل حل , و في الوقت الحاضر من الممكن تتبع هذا الهوس بطريقة حديث الشباب عنه و تصويره على انه بداية السعادة و الخلاص من كل ما هو سلبي و كريه في الحياة, و هنا يأتي السؤال , ما سر هذا الهوس ؟

حاول علم النفس دوماً البحث عن سر تصرفات الإنسان و طريقة تفكيره و تفسيرها, و لأن دراسة الذات البشرية أمر معقد فقد انقسم علم النفس إلى مدارس او مناظير مختلفة كلٌ منها يرى الأمور و يفسرها من وجهة نظره , احد هذه المناظير هو المنظور السلوكي , و الذي يؤمن اتباعه بأن الإنسان ليس الا نتيجة للبيئة المحيطة به , فأنت بتصرفاتك و افكارك و شخصيتك نتيجة لتأثير عوامل معينة وقعت عليك, احد اهم القوانين في هذا المنظور هو ما قدمه إدوارد لي ثورندايك عام 1898, يقول ثورندايك بان احتمال اعادة تصرفٍ معين مرتبطٌ بالنتيجة التي ستتبع هذا التصرف, اي أن التصرفات التي تأتي بنتيجة ايجابية هي التصرفات التي ستعاد أكثر من تلك التي لا تأتي بنيتجة او تكون عواقبها سلبية, و هذا ما عُرف باسم قانون التأثير و هو ذات القانون الذي استخدمه (ب .ف . سكينر) في بناء نظرية الإشتراط الإجرائي , نظرية سكينر تقضي بوجود تصرفات طبيعية عشوائية يقوم بها الفرد , و في حالة مكافأة الفرد على هذه التصرفات فإنه سيقوم بإعادتها من جديد , اما اذا تم معاقبة الفرد على هذا التصرف فإنه سيميل لتجنبه مستقبلا , و سمى سكينر هذه المكافأت بالمعززات و قسمها إلى نوعين : ايجابي و سلبي , و يكون المعزز ايجابي اذا ما شمل اعطاء شيء محبب للفرد , و يصبح سلبياً اذا ما ضم اخذ شيء مكروهٍ من الفرد ( كإنقاص سنوات السجن في حال التزم السجين باللوائح و القوانين), و العكس صحيح بالنسبة للعقوبات, هذه المعززات و العقوبات قد تكون اي شيء, حتى ان بعض الدارسين في علم النفس الإجتماعي (هو القسم المهتم بدراسة تصرفات الأفراد في مجموعة و تأثيرهم على بعض) يرون ان القبول و الرفض الذي تمارسه المجموعة على الفرد من الممكن اعتبارها معززات و عقوبات , فالثابت في علم النفس بأن البشر كائناتٍ اجتماعية تحتاج للعيش وسط المجموعة , فبالتالي يصبح قبول المجموعة للفرد معززاً و يصبح رفضها له عقاباً , فما دخل كل هذا بالسؤال الأول (ما سر هوس الشباب بالزواج؟) ؟.

ان اجابة سؤالٍ بمثل هذا التعقيد قد يتطلب منا تركيب وجهات نظرٍ مختلفة لتكون لنا صورة كاملة , قد يتطلب منا مثلا فهم نظرية التعلم الإجتماعي التي طرحها (البرت باندورا) نظرية باندورا بإختصار تفيد بأننا نتعلم سلوكياتٍ معينة عن طريق مشاهدة فردٍ اخر يقوم بمثل هذه السلوكيات , و ان احتمالية تكرار هذا التصرف و تقليده ستزيد اذا ما تلقى هذا الأخير الثناء و الشكر على فعلته.

ارتبط الزواج في المجتمع الليبي بصورة ايجابية جميلة , فالزواج يعني انتقال الفرد من مرحلة إلى اخرى , يعني ان الفرد قد نضج و كبر و بات “رجلاً” يمكن الاعتماد او صارت “امرأة” قادرة على العناية ببيتها و بزوجها ,في الوقت ذاته ارتبطت العزوبية بصورة سلبية في المجتمع , فالعازب هو فردٌ على الهامش في المجتمع , ليس له اهمية تذكر , فالهدف الرئيسي لكل المجتمعات هو الإستمرار و البقاء , ولا يمكن ان يحقق هذا الا بإنجاب اطفالٍ يطيلون عمر المجتمع , و في مجتمعٍ مثل المجتمع الليبي فالإطار الوحيد المقبول لإنجاب الأطفال هو الزواج , و لهذا شكل المجتمع هذه الصورة الايجابية للمتزوجين الذين يساهمون في بقاء المجتمع, و من الممكن ربط هذه الصور بنظرية سكينر التي تحدثنا عنها مسبقاً لنصل إلى اجابة مفادها بأن الصورة السلبية و الضغط الذي تمارسه الجماعة على العازبين قد يكون عقاباً يدفع هؤلاء الى البحث عن بديل لحالتهم هذه , و هنا لا بديل سوى الزواج , في الوقت عينه سنضع نظارة باندورا لنقول بأن رؤية الشباب لأقرانهم و المكافآت “الشكلية” التي نالوها من صورةٍ ايجابية و ثناء قد يكون سبباً اخر في هوس الشباب بهذا السلوك و رغبتهم بالقيام به ,اجابة اخرى محتملة لهذا السؤال تنبع من احتياجات الفرد العاطفية, يؤمن العديد بأن للإنسان احتياجات عاطفية يجب أن يلبيها في مرحلة ما , تلبية هذه الإحتياجات تتطلب وجود الإنسان في علاقة مع فردٍ اخر, و من جديد لأن تقاليد المجتمع الليبي ترفض ان تكون هناك اي علاقة بين ذكرٍ و أنثى خارج اطار الزواج و يعاقب من يخالف ذلك , صار الزواج الوسيلة الوحيدة لتلبية هذه الحاجة .

في الختام ان كل ما سبق ليس الا محاولة شخصية لتفسير ظاهرةٍ معينة و إن الإجابة الحقيقية تحتاج لدراساتٍ و ابحاث تتناول المجتمع من جوانب نفسية و اجتماعية و اقتصادية , و من الممكن حينها ان نجد الإجابة لسر ارتفاع معدلات الطلاق ؟

1 view0 comments

Recent Posts

See All

هي

عادت للمنزل بعد يومٍ شاق في العمل , دخلت للبيت و دخل خلفها طفلان هما رفيقاها الوحيدان في السكن بعد أن طلقها زوجها قبل ثلاث سنوات  ,عاشت...

شلتته

قد كان صباحاً مملاً أحاول جعل ساعاته تمضي بسرعةٍ أكبر بتقليب صفحات التواصل الإجتماعي , حتى وجدت منشوراً على صفحة أحد الأصدقاء يعرف فيه...

Comments


bottom of page