top of page

عاشوراء عاشورتي (الفتاشة2).

ahmedobenomran

استقيظت مريم في منتصف الليل مفزوعة تنظر ذات اليمين و اليسار بخوفٍ كبير و صراخٍ عالٍ , تبحث عن الشيء التي رأته قبل قليل لكنها لم تجد شيء , أشعلت آمنة ضوء الغرفة و دخلت مسرعة لتحضن طفلتها و تحاول طمأنتها و تسألها عن ما حصل , فبدأت مريم بصوتٍ متعلثمٍ باكٍ :” حاجة سودة فتحت بطني”.

صُعقت أمنة لسماعها هذا و التفت يميناً و يساراً هي الأخرى بحثاً عن هذا الشيء , لكن الغرفة كانت خالية , حملت أمنة طفلتها و اتجهت بها نحو  غرفتها , استلقت أمنة على السرير حاضنةً الطفلة الصغيرة الخائفة , و بدأت في تهدئتها حتى تنام , انشغال آمنة بالطفلة الصغيرة لم يجعلها تنتبه بأن النصف الأخر من السرير خالٍ , لم يكن زوجها نائماً بالغرفة .

أشرقت شمس الصباح و أشرقت معها أمنة فقامت من السرير دون أن توقظ ابنتها , نظرت إلى نصف السرير الخال و لم تهتم ظانة بأن زوجها قد استيقظ قبلها , دخلت إلى الحمام ثم خرجت لتصلي الصبح , ثم انطلقت لتبدأ مهامها اليومية , لم تجد  زوجها بالأسفل كذلك بالخارج و عندما رفعت هاتفها لتتصل به وجدته يدخل عليها حاملاً كيس خبز , :”صباح الخير أمنة” هكذا حياها زوجها مبتسماً , فردت عليه مبتسمة هي الأخرى , همت لتأخذ منه كيس الخبز , لكن أثار ترابٍ على سروال زوجها شدت إنتباهها : ” ماهذا التراب ؟”

سألت أمنة , أظهر الزوج علامات الإستغراب و التفاجؤ بينما نظر إلى التراب و شرع في نفظه قائلا :” لا أعلم “.

أصاب أمنة بعض القلق لكنها لم تهتم بل استئنفت أعمالها في المطبخ بعد أن طلبت من زوجها أن يوقظ الأطفال ,

كانت أمنة مرتاحة نسبياً بعد أن مضت ليلة البارحة دون أي مفاجأت , إلا من الكابوس الذي راود مريم  . استقيظ جميع أفراد المنزل واجتمعوا على طاولة الإفطار , الأب يبدو مرهقاً أمنة تنظر إلى باقي الأفراد مبتسمة خالد يأكل الطعام دون أن يتكلم أنس كعادته يلهو بأكله أما مريم فقد كانت تنظر إلى الأكل دون أن تلمسه

“مريم , ما بك لا تأكلين ؟” سألت أمنة بعد أن تنبهت إلى أن طفلتها لا تأكل , لكن مريم لم تنبس بكلمة  بل نظرت نحو أمها ثم عادت لتنظر لأكلها قبل أن تبدأ بتناولها بصمتٍ غريب .

الخميس الثامن من محرم 1439

قد مر أسبوعٌ على بداية السنة , و قد بدأت أمنة شيئاً فشيئا تنسى ما حدث قبل عام , عادت الطمأنينة لقلبها و بدأت بالإزدياد يوماً بعد يوم , الشيء الوحيد الذي كان يشغل بالها هو مريم , التي بدأت تتصرف بشيءٍ من الغرابة تستيقظ في الليل عدة مرات و توقظ امها التي ما ان تسألها مالأمر ,  تنظر له و تقول لاشيء , تجدها أمنة أحياناً واقفة في وسط الغرفة أو على السرير ساكنة دون أن تتحرك , و بعد أن تكررت هذه الأشياء عدة مرات , قررت آمنة الإتصال بشخصٍ ذو خبرة في مجال الأمومة , أمها العجوز التي تعيش بإجدابيا لوحدها , بعد الترحيب و السؤال عن الحال و الأحوال , دخلت أمنة مباشرة بصلب الموضوع “مريم أصبحت غريبة  يا أمي” “ما غريب إلا الشيطان , كيف أصبحت غريبة” “منذ بداية السنة الهجرية تستيقظ في منتصف الليل و يشرد ذهنها كثيراً” ” أخبريني ماذا حدث قبل أن تتصرف بهذا الشكل ؟” ” لا شيء يذكر , كل شيْ كان طبيعياً حتى اننا احتفالنا ببداية العام و طبخت لهم الفتاشة على الغداء ” هنا تذكرت أمنة بواقي الكسكسو التي وجدتها في القيء منذ أسبوع , فأعلمت أمها بذلك , ” و هل قصصتم على الأولاد قصة الفتاشة ؟” سألت الأم الكبيرة ابنتها “نعم أخبرناهم بذلك ” “الله يهديك يا بنتي , الأمر واضح لم تتحمل معدة ابنتك الفتاشة فتقيئت , ثم باتت خائفة من أن تكون القصة حقيقية , فرأت ذلك الكابوس و زاد خوفها ” “أي كابوسٍ يا أمي؟” سألت أمنة ” الكابوس الذي أخبرتني عنه قبل قليلا , شكلك كبرتي و بديتي تنسي , عموماً قليلٌ من ماء الرقية  سيحل مشكلتها , أنا قادمة الأسبوع القادم و سأحضر معي قليلاً من ماء زمزم أعطته لي جارتنا الحاجة فاطمة و سأمر على الشيخ ليرقيه”.

شكرت أمنة أمها و أقفلت الخط,

الجمعة التاسع من محرم 1439

كعادتها استيقظت أمنة مبكرة , و كعادة الأسرة اجتمعت على الإفطار ثم افترقت لتبدأ أداء مهامها المنزلية , الشيء الجديد بالموضوع أن خالد عاد لأداء مهامه المنزلية مع الأسرة بعد أن قاطعها لفترة من الزمن , عند الظهيرة انصرف خالد و انس رفقة والدهم إلى المسجد بينما بقيت مريم نائمة بغرفتها و أمنة تحضر الغداء , قبل عودة باقي الأفراد بقليل نزلت مريم الدرج مغنية :” عاشورا عاشورتي , عاشورا عاشورتي “. التفت أمنة مبتسمة لإبنتها لتجد بأن خطاً من الكحل قد ارتسم على جفني ابنتها بشكلٍ متعرجٍ و عشوائيٍ حتى انه امتد إلى جبتها معطياً ايها مظهراً مخفيفًا نسبيًا , صاحت أمنة قائلة :” ماهذا ؟” فضحكت مريم و قالت :” كحل ” , “لماذا قمتِ بوضعه؟” تحول الوجه الطفولي المبتسم إلى وجه حزين بعد أن صاحت بها أمها و قالت : “لست أنا من وضعته بل خالتي عائشة هي من وضتعه لي ” ” خالتك عائشة ميتة من قبل ما تجيبك أمك ” ” لا هي دخلت الغرفة و أحضرت معها مكحلة , أجلستني في حضنها ثم رسمت لي الكحل بالمرود ” لم تعر أمنة اهتماماً لما قالته مريم للتو و أمرتها بأن تصعد للأعلى و تغسل وجهها .

دخل الأب متسائلاً عن سبب صياح أمنة بعد أن صعدت مريم مباشرة , فأخبرته بأن مريم أخذت قليلاً من كحلها و رسمته , “اننا في عاشوراء , و هذا ما كانت تفعلها أمهاتنا ” قال الأب , لكن أمنة لم تهتم أيضاً بما قاله زوجه , فاسئنف الزوج الحديث قائلاً  :” بل أعتقد بانه يجب أن نطبخ بعض الفول و الحمص “. هنا صاحت أمنة :” أيوه , أنتم جالسون طوال اليوم و انا واقفة من الصباح الباكر , ثم تأتِ لتطلب مني أن أفعل هذا و ذاك , خدامة عندكم انا “. صعق الزوج من رد أمنة لكنه لم يقل كلمة واحدة , بل كان أنس و خالد هم من نطقوا و استجدوا أمهم في أن تطبخ لهم الفول و الحمص , “نحن لم نأكل هذا منذ أخر مرة زارتنا فيها جدتي يوم عاشوراء ” قال خالد مستجدياً لكن قرار الأم لا رجعة فيها :” لا يعني لا” , قالت و هي غاضبة ثم بدأت بتحضير الطاولة ,

العاشر من محرم 1439 , الساعة الواحدة فجراً تفتح مريم النائمة عينيها فجأة ثم تقوم متجهة نحو الحمام , بينما كان باقي الأفراد نائمين , في الغرفة الرئيسية كانت أمنة نائمة و تظهر على وجهها علامات الإنزعاج , استيقظت فزعة و بدأت بالنظر حولها , كان الظلام دامساً فلم ترى شيئاً , بل بدأت تسمع صوت أطفال صغار يغنون بالخارج , “عاشوراء عاشورتي تنفخلي زكورتي تنفخها و تزيدها ” فقامت لتنظر من النافذة و تحاول رؤية هؤلاء الصغار

“عاشوراء عاشورتي تنفخلي زكورتي ” كان الظلام شديداً بالخارج فلم تتمكن من رؤية شيء تحاول أن تركز كي تتأقلم عينيها مع الظلام “تنفخها و تزيدها سموها منها سيدها ” تتمكن من تحديد مصدر الصوت هم يغنون أمام باب البيت لكنها لا تراهم بعد “سيدها عبد الرحمن ..” تتأقلم عينيها على الظلام لكن الصوت يتوقف , لا أحد بالشارع تنظر من جديد باحثة لكنها لا تجد شيء , تتعوذ من الشيطان فتدير ظهرها لتنام من جديد  لكنها ترى ظلا صغيرها يتجه نحوها , يقترب الظل شيئاً فشيئا , تتمكن من رؤية ملامح الوجه , انها مريم , تبتسم ابتسامة مخيفة , الكحل مرسومٌ على عينيها , و تنظر لأمنة بنظرات مخيفة , تمد يدها فتلمس بطن أمها , تصرخ أمنة خوفاً . تستيقظ أمنة مفزوعة فتنظر إلى الغرفة لكنها لا ترى شيئاً , انه كابوس, تقوم أمنة متجهة للحمام لتغسل وجهها , كل الغرف مغلقة بما فيها غرفة مريم , تدخل أمنة الحمام و تغلق الباب , لكن جسماً صغيراً يتحرك بداخل الغرفة .

السبت , العاشر من محرم 1439 الساعة الثامنة صباحاً أمنة بالمطبخ رفقة كل أفراد العائلة عدا الأب , تجلس الام و صغارها منتظرين نزول والدهم , لكنه لم ينزل , يطول الإنتظار دون أن ينزل الأب , فجأة ..

يسمع الكل صوت ارتطام , يتبعه صوتٌ اخر , و يظل الصوت يتكرر , تصعد أمنة لترى مالأمر , فتجد زوجها يقف على بعد خطوتين من باب الحمام المغلق , يتجه نحوه فيرتطم به فيعود للخلف قليلا , ثم يعيد الكرة فيرتطم مرة أخرى , تقترب أمنة قليلاً من زوجها مرة أخرى صوت أطفال صغارٍ يأتي من الخارج يغنون هذه المرة كانت الأهزوجة مختلفة “اللي ما تعطيش الفول يصبح راجلها مهبول اللي ما تعطيش الحمص يصبح راجلها يتلمس ” يعلو صوت الغناء و تعلو معه ضحكات شريرة قادمة من الخارج تقترب أمنة  أكثر من زوجها تضع يدها على كفتها “فرج!!” نادت أمنة زوجها و هي خائفة يلتفت فرج فجأة فتصرخ أمنة , كانت عينا زوجها تسيلان الدم بعد أن فقأتا , يبتسم فرج لزوجته و يقول :”ههه كسر العادات يستوجب ثمناً ههه” ثم يعود ليرتطم باب الحمام مرة أخرى . يتبع ..

17 views0 comments

Recent Posts

See All

الفتاشة 3 (هذا قنديل و قنديل)

هذه المرة كانت الأهزوجة مختلفة “اللي ما تعطيش الفول يصبح راجلها مهبول اللي ما تعطيش الحمص يصبح راجلها يتلمس ” يعلو صوت الغناء و تعلو...

الفتاشة

المكان : أحد منازل بنغازي , ليبيا الزمان : يوم الخميس الأول من محرم لعام 1439 هجري . استيقظت من الصباح الباكر , طالعت تاريخ اليوم الثاني...

コメント


bottom of page