top of page

شعر ولحية

ahmedobenomran

ترتفع درجة الحرارة في بنغازي في شهر يونيو، يرتفع معها في ذات الموسم صوت مولدات الكهرباء التي تحاول تغطية ما عجزت عن توفيره مؤسسات الدولة بأعضائها، يستمر هذا الإرتفاع المزدوج (الحرارة والاصوات) حتى يصل أشده في شهر يوليو، في منطقة من مناطق بنغازي وعلى قطعة أرضٍ دار حولها حديثٌ ونقاشاتٌ كُثر كغيرها من الأراضي، يقول البعض بأن الأرض رُهنت لبنك روما -يوم كان هنا- مقابل قرضٍ عجز صاحبه عند دفعه فصارت الأرض ملكاً للمصرف الذي سلمها او استلمتها منها الدولة يوم خرج المصرف، يضيف أخرون بأن ورثة المقترض سددوا قرض والدها واستعادوا الارض، يقول اخرون بأن الأرض طالها ما طال باقي المدينة من تلاعبٌ قانوني واحتيال، المهم، ونهاية القصة، بأن هذه الأرض التي كانت ذات يومٍ شبه خالية صارت عشوائية، عمارات سكنية تجاورها فيلات فخمة دون بنية تحتية مدروسة أو مخططة، الارض التي كانت يوماً تضم مدرستين وبضع ورش، صارت تعج بمحال تجارية، الناظر لهذه الأرض ولهذه المدينة عموماً سيظن بأن التجارة هنا مزدهرة، في كل شارعٍ وزقاق هناك محال تجارية مختلفة، المدينة التي كان لها قبل عشر سنواتٍ تقريبا مراكز تجارية تعد على أصابع اليد الواحدة ربما، صارت المراكز التجارية في كل جزءٍ منها، ولكن، إذا ما سئلت أحد سكانها المتوسطين، سيقول لك العكس، سيخبرك بأن الإقتصاد شبه منهار، وأن حركة البناء هذه ليست الا طمعاً في الكسب السهل السريع.

يركن أحد هؤلاء الشباب سيارته أمام صالون حلاقة في الارض المذكورة، يفرح الشاب -ولنقل فرضاً بأن اسمه مالك- يفرح مالك عند رؤيته لمولد كهرباءٍ أمام الصالون، يفرح أكثر عندما يجد بأن المولد ساكن لا صوت له، يدخل الصالون مُسلماً على الشخص الجالس فيه

-” فاضي يا خونا؟”

يسال مالك

يهز الحلاق رأسها بالإيجاب فيتجه مالك للكرسي، يسأله الحلاق بينما يُجهز معداته

“نفس أخر مرة؟”

يفرح مالك لسماعه هذا السؤال فيهز رأسه موافقاً، ينهي الحلاق تجهيزاته، يضع اللمسة الأخيرة بتشغيله أغنية، تنطلق موسيقى ناصر المزداوي قبل أن ينطلق ناصر مغنياً

“ياما بكينا وقت الوداع ونحن مسافرين

وياما رينا دمعات حزينة فوق الخدين”

ينطلق الحلاق -ولنسمه ناصر هو الأخر- معهم مدندناً، تصل أذن مالك مجموعة من الأصوات المتداخلة، صوت الموسيقى، ناصر المزداوي مُغنياً، ناصر الحلاق مدندناً، وصوت ماكينة الحلاقة تجز الشعر

-“فنان ناصر هذا”

يشكر ناصر الحلاق ناصر المغني

-“مش واخذ حقه بس”

يوافقه مالك، يستغرب الحلاق فيسأل دون أن يُخفي تعجبه:

-“تعرفه قصدك؟”

-“شنطة سفر وحبيبي يا نور العين”

يبتسم ناصر قائلاً:

-“والله نولع شنطة سفر بعد هذي”

ناصر الحلاق، رجلٌ ربما يكون في الاربعينات من عمره، هو من الجيل الذي عاش فترة موسيقية جيدة وغريبة معاً، الجيل الذي دعم موسيقى الريقي الليبية، استمعوا لخليطٍ من الموسيقى، فكرون والمزداوي، مايكل جاكسون والفس برسلي أحيانا، الطائر الابيض وام كلثوم، درس ناصر الاقتصاد حتى ينال شهادة يُرضي بها والديه، ركن الشهادة في بيتهم، تحصل على شهادة أخرى في الحلاقة بدأ بها مزاولة عمله مطلع العشرينات من عمره

-” شهادة ونبدا ندور في تعيين في الدولة ونطيح قدري؟ لنقني قلت ما شور شي يا جويري”

وجويري هذه تصغيرٌ ليبي لجاري، بدأ ناصر في استخدامه لمنادة مالك بعد أن اكتشف بأن خال مالك متزوجٍ من احدى بنات جيرانه

-“اهو بنيت وطلعت فرحي كله من الكرسي والمقص هذا، الحمد لله”

تدخل موسيقى الطائر الأبيض على المشهد بعد أن انهي المزداوي وصلته الغنائية

“والقلب حالف لا ما ينساك

لو بعدوك عني يا مناي”

“-السلام عليكم”

يدخل شخصٌ ثالث للصالون مُسَلِّمًا

-” وعليكم السلام ورحمة الله”

يرد عليه ناصر ومالك معاً في ذات الوقت، الا ان ناصر زاد في رد التحية واتجه نحو الزائر الجديد

-أووه ولد خالتي، عاش من شافك”

يُرحب ناصر بالزائر

-“شن الجو يا نصوره تمام؟

يرد عليه الزائر.

في أداب صالونات الحلاقة، يقضي العُرف بأن تلقي السلام على من كان في الصالون عند وصولك، وبأن تقول (نعيماً) للزبائن سواء كانوا يهمون بالخروج أو كانوا يجلسون منتظرين، عمل الزائر بهذا العرف عند وصوله فتوجه نحو مالك قائلاً له

-“نعيماً يا شاب”

-“الله ينعم عليك يا حاج”

كان الزائر الثالث رجلاً في الخمسينات من عمره، يكسوا الشيب رأسه ولحيته، تربطه علاقة ما بناصر، رغم كون العلاقة مجهولة بالنسبة لمالك، الا انه لاحظ قوة العلاقة بين الاثنين،

-” شن دايرين مع الضي؟”

يسأل الزائر الجديد بعد جلوسه

-“والله يا احميدة تعبونا، امس يجي ويطفى قريب ست مرات، معاش عرفنا نطفوا المولد ولا نخلوه”

يجيب ناصر متذمرا بعد ان استئنف حلاقة مالك

-“كمشة سراقة لاعبين فينا بكراع كلب”

يضيفها احميدة، وكمشة هنا تعني مجموعة وعادة ما تُستخدم كوصفٍ سلبي للمجموعة، وقد اعتاد اللسان العربي -الشرق اوسطي الشمال افريقي- على وصف الفئة الحاكمة الفاسدة باستخدام الضمائر الغائبة للمجهول دون تحديدها حتى وصل الأمر بالفئة الفاسدة باستخدام هذا الوصف، فصارت حكوماتنا تتحدث عن المُفسدين بصيغة المجهول هي الأخرى، عموما.

يستمر ناصر في مناوراته على كرسي الحلاقة، يمسك المقص تارة وماكينة الحلاقة تارة اخرى، يبدل اسنان الماكينة كجراحٍ بارع يبدل بين معداته الجراحية، يقترب من الشعر باحثاً عن فروقات في مستوياته قبل أن يبحث عن الاداة المناسبة لمعالجة هذا الفارق، يتكون الصالون من خمسة أربعة كراسي حلاقة متوزعة على طرفي المحل بينما يتمركز في المنتصف كرسي خاص لغسل الراس، وترحب بك عندك دخولك كنبة على يمين الباب توجد امامها طاولة صغيرة، فيما مضى كنت ستجد على الطاولة عدداً من المجلات العربية المنوعة، بدأت هذه المجلات في الاختفاء والاندثار بعد ظهور وانتشار الهواتف المحمولة واعتمادها -الهواتف- كوسيلة جديدة لقتل وقت الانتظار، تقابل الكنبة شاشة تلفاز، تقول الاسطورة بأن افضل الافلام هي التي تبث عند الحلاقين، في هذه الاثناء، كان احميدة ممسكا بجهاز التحكم يقلب بين محطات التلفاز بعد ان استئذن من ناصر

“كويس الفيلم هذا”

يعلق احميدة على فيلم وجده للتو، ينظر ناصر نحو الشاشة قبل أن يوافقه الرأي قائلا:

-“زمان جابه لنا حياة عادل خويا على شريط ايام الشرطان”

-” اييه الله الله ايام الشرطان”

يهز احميدة راسه متذكرا قبل ان يهم مكملاً

-“تعر…”

-“عندك حد بعد هذا؟”

يُقاطع شخصٌ رابع يقف عند الباب حديث احميدة.

-“وعليكم السلام ورحمة الله، تفضل؟”

يحدثه ناصر بينما يبقى عينيه على مالك

-” عندك حد؟”

يسأل الواقف بالباب، فيجيبه ناصر:

-” عندي اربعة عالتليفون”

يخرج الشاب الرابع غالقاً الباب من خلفه، يتابعه ناصر بنظراته حتى ركب سيارته

-“ماشاء الله زاحمة عندك يا انصورة”

يسأل احميدة ناصر

-“لا والله ما عندي حد”

يجيب ناصر ثم يستطرد

-“لكن خش لا قال السلام عليكم، وحتى اسلوب ما عنده، شفته كيف قال هذا؟، تي عيب، قول الراجل الطيب، قول الشاب”

-“جيل شكشكي يا انصورة”

-“والله ما شور الجيل يا احميدة، نعرفه هذا، كان يجي يحلق عندي زمان، وكويس، عدي يا زمان تعال يا زمان بوه قعد حاج، ومنها”

-“ايووه قولي هكي”

-“والله كيف ما نحكيلك يا احميدة، يومها يحكيلي واحد قالي الحاج رافع، قتله غير وحد الله، رافع سكورطة قعد الحاج رافع، تاريته يا احميدة عنده طلع لسانه ولحس لواجدين وقعد مدير مكتب واحد من الفساد”

-“ان شاء الله خير”

رد احميدة على ناصر بينما اومىء برأسه مشيراً لمالك محذراً ناصر خشية ان يكون مالك مواطناً صالحاً ينقل شكاوي المواطنون إلى السلطات.

-“السلام عليكم”

يقوله رابعٌ يدخل الحلاق للتو، قصيرٌ قمحي

-“وعليكم السلام ورحمة الله”

يرد عليه الجميع ثم يتوجه له احميدة بالحديث قائلاً

-“وين يا عمدة، ليا ساعة نراجي”

-“سامحني يا احميدة والله غير كنت نوصل في العيل”

-“الله غالب محتاجين التحليقة”

في هذه الاثناء كان ناصر ينفض الملاية من على مالك قبل أن يقوم مالك من الكرسي بعد انتهاء الحلاقة

-“نعيماً يا شاب”

قال عماد لمالك قبل أن يرد عليه مالك ويتجه هو لكرسيه

-“شن عندك يا احميدة اللي مستعجل عالتحليقة”

يسال عماد زبونه بينما يجهز الكرسي

-“عندي دفع علي ولدي بكرة”

يجيب احميدة فيشرع الجميع في تهنئته

-“يومها تلاقيت معاه، طالعلك يا احميدة في العين السودة”

يناكفه ناصر

-” قصدك نسونجي كيف بوه؟”

يضيف عماد لغرض استفزاز احميدة فيجيب هو قائلاً:

-” في وقت توا كويس النسونجي، متاع بنات ولا متاع حمام ذهب”

يضحك الحلاقين ويبتسم مالك في طريق خروجه.

9 views0 comments

Recent Posts

See All

31

30

コメント


bottom of page