الكيش، الحي الذي ولدت به و نشأت قبل ان أغادره عندما كان عمري 13 عاماً، و قبل ان يصبح هو اعني الحي موضوعا تدور حوله أغاني الراب الحديثة، لا املك عديد الذكريات هنا فلم اكن من الأطفال الذين يخرجون للعب في الشارع حينها، و لذلك لعدة أسباب، أهمها بأنني كنت في طفولتي ذاك الطفل “الشاطر” الذي يقضي وقته بعد المدرسة في حل واجباته و “القرايا اول بأول” كما كانت تقول والدتي التي صدقت رفقة والدتي بأنني كنت أذاكر دروسي دون ان ينتبه كلاهما لمجلات ماجد و ميكي و فلاش التي كنت أخفيها بين الكتب متظاهراً بأنني كنت ادرس بينما في حقيقة الأمر كنت ابحر في تلك القصص المصورة، و مع ذلك، كان يمكنك القول بأنني كنت تلميذا نجيباً، ثاني الأسباب هو انني طفلٌ برجوازي كان يفضل اللعب أمام منزل جده في شارع نهر الليطاني بالفويهات الغربية، هناك كان لي أصدقاء و ذكريات، هناك كسرت ذات مرة فنار سور منزل سي سعد عندما كنا نلعب الكرة ذات مرة، ركضنا كلنا هاربين عندما سمعنا صوت ذاك الشايب موبخاً من خلف السور، فرحت انا عندما رأيت ابنه محمداً ذو الوجه البشوش خارجا حاملاً كرتي سليمة و اعطانا اياه و هو يضحك قائلا :” تأخذ سوكم ياما كسرنا”، فرحي حينها كان مضاعفا،
فرحي بالسماح الذي نلناه من أحميدة، و فرحي بسلامة كرتي التي لم تلحق بأختها التي سقطت ذات يومٍ في ذات المنزل فعادت إلينا بعد ان قام سي سعد بشقها مستخدمًا سكين، بعد تلك الحادثة قال سي سعد محدثاً والدي عني بأنني خدوم و احب المساعدة و قبل ان انتشي فرحا بكلامه باغتني قائلا ” الله يفرق بينه و بين هالكورة اللي وين ما يجي بيها يجيب معاها الهرجة”، فقد كنت انا في عرفنا صاحب الكرة الذي يُسمح له للعب فقط لأجل كرته.
رحل أحميدة إلى جوار ربه، رحلنا نحن من الشارع إلى شوكة الجامع حيث تعلمنا عدة أشياء، لم يكن القرآن منها، و رحلت الضوضاء من الشارع، تبقى فقط سي سعد و عكازه الذي يتكئ عليه، و تبقت عندنا مجموعة ذكريات اشتاق لها، عندما كانت جدتي مثلا ترسلني يوم عاشوراء حاملا طبق السليقة ماراً به على الجيران، او مثلا عندما كنا نتظاهر بدخولنا لصلاة الترويح ثم ننتظر حتى اول ركعة قبل ان نخرج مسرعين نحو الطريق الدائري المجاور لنا او ما يُعرف بشارع دبي، هذه الذكريات هي ما ميزت شارع دبي عن شارع القيروان، و لسخرية الموضوع اجد نفسي الان اجلس بشارع القيروان، و في كل ليلة امر بالعمارة رقم 201 من مشروع 7000 وحدة سكنية، و في كل ليلة اشعر بالحنين للشقة رقم 1 بذات العمارة، هناك حيث كتبت ما ظننت حينها بأنه اول قصة لي، هناك حيث جلست في غرفتي بين ألعابي حائكا قصصًا اخرى بينها، في ذات الشقة شاهدت اول مباريات كأس العالم و قررت حينها تشجيع البرازيل، و في ذات الشارع ذهب في احد الأيام لل”قوميستي” لأنفخ كرتي التي ستزعج سي سعد لاحقاً، سألني يومها القوميستي إذا ما كنت اشجع أي فريق، اجبته بفخرٍ مانشستر يونايتد، منتشيا بفوز كنت قد شاهدته قبل ساعات و مذهولاً بلاعبٍ صغيرٍ في السن كان في عامه الأول في الفريق حينها يدعى شيء ما رونالدو، بذات الشارع درنا اليوم باحثين عن مطعمٍ شعبي يقينا جوع الظهيرة و يطفي رغبتنا في وجبة غداء، قبالة مبنى “التعليم” وجدنا ثلاثة مطاعم كان احدهم بلا اسم، سألناه قائلين “شن عندك انصاص يا حاج”
أجابنا قائلاً مفروم، قلاية، فاصوليا، و مشكل، دون ان يدري صاحب المطعم كان لوقع كلمة مشكل تأثيرٌ سحريٌ على قلوبنا، طلبنا مباشرة مشكل، و ان كنت لا تعرف ما هو المشكل، فالمشكل هو “نص” يختلف من مطعمٍ لأخر، و اتفق اصحاب المطاعم على انه يحتوي على أي شيء يريده صاحب المطعم، تارة فاصوليا و فول و حرايمي مثل ما فعل حميد بتاتي، تارة تكون فول و فاصوليا فقط، او ان يكون فول و حرامي و بيض مقلي كما فعل صاحب هذا المطعم، للمشكل تأثيرٌ جميلٌ على المعدة يجعلها ترقص طربا على أنغام موسيقى مهرجان النكهات في اللسان، لماذا قررت ان اكتب كل هذا؟ لأن مشاعري مختلطة اختلاط نكهات المخلط هذا، لهذا قررت ان اكتب عنه و عن العمارة 201 في شارع القيروان بالكيش، و الفويهات و سي سعد، عن هذا المطعم الذي لا اسم له، و عن المخلط الذي سد جوعنا ببهجة.
コメント