top of page

رمضان مرسين 10

ahmedobenomran

الرابع عشر من رمضان لعام 2019، بدأت الشمس تدريجياً في الغروب وبدأنا نحن في الجلوس في انتظار أذان المغرب، نفترش الأرض بعد أن وضعنا التمر والحليب أمامنا، يعم الصمت قُبيل الأذان بدقائق في انتظار سماع الصوت الأهم

“أذن يا جماعة”

يقولها أحدنا الواقف على النافذة

في لحظات، يتغير كل شيء على المسرح

نكسر صيامنا بتمرٍ قال لنا صاحبها أنه من إيران

يُزاح مفرش الأكل من على الأرض حتى نقف لنصلي

يعود ذات المفرش بعد الصلاة بينما ندب نحن كالنمل بين المطبخ وغرفة المعيشة، كلٌ منا يحمل شيئاً، إلا صويد الذي يقف في شرفة المطبخ يُدخن، وصويد مخلوقٌ يمضي نصف حياته نائماً ويمضي النصف الأخر محاولاً الاستيقاظ، تجهز الأطباق، نجلس حولها، يقف العماري قبل أن نبدأ ليلتقط صورةً تذكارية تُخلد هذه الذكرى، وبالرغم من كل شيءٍ كنا نمر به حينها، صيامنا بعيداً عن أهلنا، دراستنا، وبضعة أمورٍ أخرى إلا أننا كنا نبتسم من قلوبنا في الصورة، في رمضان ذاك، استلم انس الهوجا والعماري مهام الطبخ طيلة أيام الشهر بينما تناوب بقيتنا على التنظيف بعد ذلك، كان رمضان ذاك الأهم في رحلة غربة غالبيتنا، التخرج الذي ينتظر المبروك وقتيبة وأحمد وعمر، وينتظرني معهم، العماري الذي كان يحزم حقائب السفر استعداداً لصفحةٍ أخرى يفتحها في أقصى الأرض في أستراليا، رمضان الذي غاب فيه الأيوبان (أيوب و أيوب) وعمران والجنقي، والجنقي هذا مخلوقٌ غريب قيل يوماً أنه من مُخلفات الإتحاد السوفيتي، لم يُميزه شيء إلا حظه، طوال بقائي في قبرص لم أحضر غداءً أو عشاء إلا وقرع الجنقي باب البيت قبل أن نبدأ بالأكل، ومن الأقوال الخالدة له، أنه ذات يومٍ قال “كويس اللحم بس انا نفضل الدجاج”

وقد قال هذا بعد أن أنهى لوحده نصف اللحم المشوي متجاهلاً الدجاج الذي أمامه.

غاب الجنقي عن هذه الصورة بعد أن تخرج قبلها بثلاثة أشهرٍ تقريباً وحزم حقائبه عائداً لليبيا، وفي كل مرة عاد فيها أحدنا لليبيا، كنا -نحن البقية- نزداد قرباً، وكأن عودته هو كانت تذكرنا نحن بغربتنا، وللأمانة، قلما شعرنا بتلك الغربة، فماغوسا، تلك المدينة الصغيرة المُطلة على المتوسط تمكنت من احتضاننا كلنا بكل أحلامنا وآمالنا وباختلاف ألواننا و جنسياتنا، أذكر نبيل في ذات صيفٍ ينظر لمجموعةٍ من السياح واصفاً إياهم بالأجانب وكأننا نحن أصحاب الأرض، عشنا معهم صيفهم وشتائهم، أكلنا أكلهم وسمعنا موسيقاهم.

في غرفة المعيشة الصغيرة في الشقة رقم ثلاثة في عمارة نويان، كانت أصوات طرق الملاعق بالصحون يشكل موسيقى تصويرية لمشهد الأكل الدائر، في ذات الغرفة، وبعد خمسة عشر يوماً تقريباً، جلسنا صباحاً نتناول العصيدة صبيحة عيد الفطر، لا أذكر وجود صورة لذلك التجمع، ولكن أذكر أنه كان كبيراً، ما يقارب العشرون شخصاً يجتمعون في غرفة المعيشة الضيقة دون أن يشعر أي منهم بالضيق، ليبيون من مدنٍ مختلفة، وأصدقاءٌ لهم من دولٍ أخرى، كنا قبل ذلك في المسجد نصلي صلاة العيد، ولا أقول ذلك تفاخراً ولكن كنا من أكثر الجاليات تواجدٌ في تلك الصلاة، مرة أخرى رغم كل شيء، نقف مبتسمين ملء قلوبنا في الصورة، ربما كان هذا من الدروس التي تعلمناها في قبرص، أن نبتسم رغم كل شيءٍ نراه ونمر به، علمتنا ماغوسا أيضاً مبادئ الاشتراكية، ففي عام الفقر 2017، كان التبغ الموضوع على الطاولة تبغ الجميع، والأكلُ بداخل الثلاجة أكل الجميع، تشاركنا كل شيءٍ هناك، الضحك واللعب، السهر والدراسة، ومكرونة الصادق الذي ما أن يجدنا كلنا جالسين مستمتعين بوقتنا، حتى يقوم ويجبرنا على الخروج في بردٍ قارص نبحث عن محلٍ مفتوحٍ نشتري منه مكونات المكرونة التي ستجهز بحلول الواحدة فجراً، وللصادق هذا حكاياتٌ عجيبة تجبرك على التصديق بالمعجزات، فالصادق هذا، قضى ثلاثة ليالٍ في مطار اسطنبول حاملاً معه رُبع خروف وصل به لقبرص دون أن يفسد وأن تؤثر فيه الليالي الثالث والطائرتين التي صعدهما، لم يحضر الصادق هذا الإفطار ولم يكن موجوداً في هذه الصورة لإفطاره رفقة المبروك وقتيبة في شقتهم القريبة، ولهذان الإثنان قصصٍ عديدةٌ طريفة وغريبة، فيكفي أن نحكي قصة كسر ذراع المبروك الذي حير الأطباء، أو أن نقول بأننا ذات صيفٍ صعدنا السيارة يجلس الهوجا خلف المقود ويجلس المبروك بجانبه، بينما كنت رفقة صويد في الخلف في إحدى اللحظات النادرة التي كان فيها صويد مستيقظاً، أدرنا السيارة ودرنا بها حول الجزيرة تقريباً في رحلةٍ سنحكي عنها لأحفاد أحفادنا، تسللنا فيها إلى حوض سباحة في منتجعٍ جبلي وعشنا حياة الملوك لساعاتٍ قليلة، أما قتيبة -الذي كنت أناديه خالي كونه من درنة-، فقد عشنا لأربعة سنوات نُحدث الجميع عن (الكسكاس) الذي صنعه قتيبة بعد أن اشترى قدر طبخ (طنجرة) وقام بثقبها باستخدام مسمارٍ ومطرقة، الكسكاس الأسطوري الذي كان حاضرٍ في أغلب تجمعاتنا، عابراً في حديثنا على الأقل، ولأربعة سنواتٍ كنا نُشِيد بقتيبة وكسكاسه حتى اكتشفنا ذات يومٍ بأن من قام بصنعه كان والد قتيبة وليس هو، ومن حسن حظ قتيبة أن هذه المعلومة جائت قبل عودته لليبيا بوقتٍ قصير، ومن سوء حظه أن الصادق عرف تلك المعلومة.

قد يمتد الحديث عن قبرص وعن من كان فيها لساعاتٍ وصفحات، فلا كلمات تكفي لوصف الايام الخوالي رفقة سالم الذي أجبرتني الحياة على معرفته منذ نعومة أظافرنا عندما كنا أشبالاً في الكشافة، وأنس وأحمد، الأخوان اللذان وضعتهما قرابة الدم أمامي، لا وقت يكفي للحديث عن حكايا مراد الذي تكفي قصة دراسته وتخرجه لكتابة رواياتٍ وافلام.

أنهينا ذلك الإفطار، وربما قام أوس أو حسين بعد ذلك بتنظيف المطبخ وصنع القهوة، وجلسنا بعد ذلك نتسامر نتحدث عن شيءٍ ما من حكايا قبرص، من حكايا مرسين 10.

2 views0 comments

Recent Posts

See All

من مرسين 10 إلى بنغازي

المكان :جامعة شرق البحر المتوسط فماغوستا، او كما اعتدنا نحن تسميتها ماغوسا أسوة بمواطنيها لشعورنا اننا صرنا منهم. الزمان : الساعة الثالثة...

Comments


bottom of page