قد كانت في مدينتنا يوما حقول رمان تقف جنب بعضها البعض متراصة اعلى الجبل , و قد كانت تلك الجميلة تداوم على الجلوس هناك بعد أن تنهي عملها بالحقل , اما انا فقد كنت اجلس قرب النبع اراقبها عن بعدٍ منتظرا يوما تأتيني فيه شجاعة لاحدثها أو لعلها تأتي إلى النبع و اخطر نظرة من عينيها تغنيني عن كل الكلام , لكن , و لكن هذه وحدها تكفي لوصف الحال , و قد اعتاد العشاق في قريتنا على التلاقي وسط هذه الحقول فحبوب الرمان هذه لو نطقت لتكلمت عن كل اسرار هؤلاء , هناك تحت تلك الشجرة التي جلست هي تحتها الان جلس بالامس محبوبان يتبادلان أطراف الحديث بعيدا عن اذان المتطفلين.
اما انا فقد ملت هذه الصخرة مني , اداوم على القدوم هنا كل يوم, اجلس لأراقبها بصمت و هي تذوب وسط الحقول , تمد يدها الى الثمرة فتستحي الثمرة من يدها و تسقط من ذات نفسها , تخرج اعذب الموسيقى من تحت قدميها في كل مرة تضرب فيها الارض , تتوجه الشمس إلى وجهها لينعكس عليه الضوء كأنما هو بدرٌ يمشي على الارض , كنت فيما مضى من رواد الحانات , لكنني منذ أن رأيتك تركتها و تركت الخمر , فرؤيتك وحدها صارت تسكرني , اكاد من الثمالة اسمعك تحدثينني و تأمريني بالاقتراب , فأرفض في خجل و استحياء , تسألينني عن ما يعجبني فيك فأجيب بعجلٍ و اذكر كل ما قلته الان , تبتسمين لينكشف مبسمّ ما خُلق اجمل منه شيء , جلسنا تحت الرمانة، نتبادل أطراف الحديث، اكلمك و تكلمينني، احدثك عن بلادٍ جئت منها و نسيتها، و عن وطنٍ وجدته بين عينيك، عن راحة وجدتها معك، احدثك عن حقول الرمان في مختلف البقاع، عن الأحبة و العشاق، اقص عليك اساطير الاولين، و أنتِ فقط تنصتين في صمت، لم اكن اعلم أن في الصمت جمال، اصارحك بأنني منذ عامٍ اقف هنا كل يوم لعلي اراك، تبتسمين في خجل، و ما اجمل الخجل، تتدافع من فمي الكلمات فأجدني دون أن انتبه قد صارحتك باعجابي، فخرجت منك ضحكة استحياء توقظ الاموات من قبورهم لجمالها و صوتها , و توقظني انا من نومي، يبدو أني انتظرت طويلا حتى نمت و حل المساء دون أن تأتي، انهض نافضاً التراب عن ملابسي ، اسير صوب المدينة و كلي قلق عن سبب غيابك، حتى رأيتك ، لم تكوني وحدك، بل كنتِ بصحبة احدهم، امعنت النظر فيه، ثم نظرت لنفسي فأيقنت حينها أن كل ما يدور منطقي، كيف لمثلك ان تنظر لي؟ عدت للبيت افكر فيك كرمانة جميلة سقطت في سلة فواكه و ارى نفسي كبصلة مرمية على هامش الطريق، و الرمان يجلس بجانب التفاح لا بجانب البصل، و ما اصعب ان تكون بصلاً، عدت للبيت مرددا:
يا من ملكت واقعي و خيالي
الطف بي و ارئف بحالي
Comentários