رسالة وداع

“ها أنا أقف لأودعك أيها العالم الكئيب .. وداعاً أيها الأرض البور .. وداعاً يا شعباً من الضباع تنتظرون فرصة لتأكلوا بعضكم البعض .. كنت يوماً من الأيام شاباً يافعاً مليئاً بالأحلام , و الأحلام انتهت عندما اندلعت الحرب , فوجدتني خارجاً بأمي و اخوتي من بيتناً تحت أصوات الرصاص , لأبحث عن مسكنٍ أخر أكون فيه نازحاً إلى أن يفرجها الله من عنده , ظننت فيكم و في هذه المدينة الخير , لكن ان بعض الظن اثم .. كنت أحلم بشهادة و وظيفة , أحلم بأن أرى فرحة أمي و هي تراني عريساً , و لكن للأحلام موعداً تنتهي فيه , فوجدتني أترك الدراسة , لأنغمس في عملٍ منذ الصبح الباكر و حتى أخر الليل , لأكفي عائلتي السؤال , و لأوفي إيجار هذا البيت الذي نسكنه , ولم أفلح ففي كل يومٍ كان الإيجار   يتضاعف , و في كل لحظة كانت أسعار الطعام ترتفع , حتى باتت المؤنة تنقص من بيتنا شيئاً فشيئا , و بدأت كرامتي كذلك تنقص معها في كل مرة تراني فيها عاجزاً عن فعل شيء . وداعاً يا شعباً من العميان .. أراكم في كل لحظة تنظرون نحوي و تتابعون المسير , ليس بداخلكم أي خوفٍ من تصيرون مثلي , من أن يصيبكم ما أصابنا , نعم قد أكون أنا الأول , و لكن لعلكم تستفيقون من بعدي , ستتحدثون عن الحرام الذي ارتبكته بفعلتي هذا , لكن الحرام هو سكوتكم عن الحق , الحرام هو عيشكم كالأنعام تأكل و تنام و تتغوط دون أن تنطق بكلمة , الحرام هو رؤيتكم للذئاب من تجارٍ و أصحاب سلع و تسليم رقابكم لهم , الحرام هو تقديسكم و احترامكم لمن ارتكب الحرام و اهانتكم في كل يوم لابن الحلال , ولو أنني سرقت أو نصبت و رضيت أن أكل الحرام لما كان هذا حالي . وداعاً يا شعباً من الموتى , فإن مت أنا اليوم , أنتم  تموتون في اليوم مئة ميتة , تموتون عند عودتكم إلى البيت بعد يومٍ طويلٍ أمام المصرف دون  ,أن تأخذوا قرشاً , و مع ذلك تسكتون , تموتون عندما ترضون بشراء شيء كان بالأمس يباع بنصف سعره . سيتحدث بعضكم و يقول لو أني صبرت و انتظرت رحمة الله , لكني لم استطع إحتمال كل هذا الموت , لم أستطع إحتمال أن أموت في اليوم ألف مرة , فكان الموت أمامي حلاً لكي أهرب من الموت , نعم أحياناً يكون الموت مهربا , سأشنق نفسي هنا على هذه العمارة , حتى تروا جثتي في كل مرة تمرون من أمامها , حتى تبقى روحي مرعبة لكم , و لتلاحقك ذكراي كل ذئب طماعٍ شرب دماء المساكين . وداعاً أيها العالم الكئيب وداعاً أيتها الأرض البور..” في اليوم التالي تحدثت بضعة أخبارٍ عن أن شاباً قام بشنقٍ نفسه و الإنتحار , تحدث عنه البعض , ثم بدأ الحديث عنه يقل شيئاً فشيئاً حتى صار منسياً .