top of page

ذات الوشاح

ahmedobenomran


ماتزال قبرص تدهشني يوماً بعد أخر بطقسها المتقلب هذا , أسبوعٌ مضى ظننا فيه أن الصيف قد عاد مبكراً, و لأن بعض الظن إثم جاء هذا الأسبوع ليؤكد على وجود الشتاء و استمراره , كالعادة استقل الحافلة عائداً للمنزل بعد يومٍ دراسي أخر ,أدخل للمجمع التجاري المقابل للمحطة لأخذ نواقص وجبة الغداء , ثم ابحث عن تلك البائعة و اقف في طابور المنتظرين لإطلالتها على مشترياتهم , أعلم مسبقاً ثمن ما أخذته فأتعمد أن أدفع لها مبلغاً أكبر رغم وجود المبلغ المطلوب بالضبط في جيبي , و لكني أفعل ذلك حتى تسألني هي اذا ما كنت أملك اي فكة تسهل عليها عملية فك ما أعطيته لها فأتظاهر بتفتيش جيوبي ثم أنكر في احيان و اجيب بالموافقة في احيان أخرى , و اعود إلى البيت مكتفياً بهذه المحادثة القصيرة معها و موهماً نفسي بتفكيري الليبي بأنها تفعل ذلك عن قصد معي انا فقط .


على غير العادة توقفت , في الشارع المجاور لنا و ما أوقفني هو وشاح صوفٍ وردي رُبط بإحكام في سياجٍ حديدي , لقد مرت قرابة الثلاثة أشهر على أول مرة رأيته فيها هنا , كنت أمر من هنا كل يومٍ و لكني لم اهتم له يوماً , ترى أي قصة يحكيه هذا الوشاح إذا كان يتكلم , ربما سيتحدث عن كيف وقوعه من صاحبته المخمورة ذات ليلة بينما كانت عائدة من خمارة ما تترنح ذات اليمين و اليسار , كيف انها شعرت بالحر و الضيق فأزاحته من عنقها و ظنت أنها وضعته في حقيبتها , فظل طول الليل مرمياً على الطريق تضربه رياح الليل الباردة , و عندما اشرق الصبح وجده أحد المارة فرفعه و ربطه بموضعه هذا حتى تجده من أوقعته , فبقى الوشاح في مكانها متأملاً عودتها , و لكن لماذا لم تعد ؟ , أو لماذا رفعه ذاك المجهول ؟ , ربما شُغلت صاحبته بوشاحٍ أخر , و ربما كان ذاك المار شخصاً يعرف معنى أن تفقد شيئاً و يعرف كمية الألم المصاحبة له , لهذا لم يرد أن يشعر احدٌ بهذا الشعور فالفقدان دائماً مر , حتى و لو كان المفقود مجرد وشاح صوف .



لم أنتبه أن تفكيري هذا جعل سؤالاً أخر يطفو على السطح , مالذي جعل تلك الفتاة تشرب حد السكر تلك الليلة , ربما قد انهت علاقتها بحبيب تلك الليلة , نعم فقد اكتشفت صباح اليوم بان حبيبها يخونها مع أعز صديقاتها فأنهت علاقة كانت حلوة لكنها انتهت بمرارة جعلتها مكسورة ,قررت في ذاك اليوم أن تنسى كل شيء , و لأن احد اطراف الخيانة كانت صديقتها فهي لم تعد تثق بأحد على الأقل في هذا اليوم , اتخذت طريقها نحو البار , جلست وبدأ الساقي في صب سلعته بعد أن طلبت منه الفودكا , دون ان تحدد نوعه , فهذا كل ما تعرفه عن الشرب , و بما أنها مرتها الأولى فقد ظلت تشرب الكأس بعد الأخر إلى أن أحست بالضيق , دفعت حسابها و خرجت , رغم أن الجو باردٌ في الخارج الا أن ما شربته قد أشعل ناراً بداخلها ,و عندما اقتربت من بيتها تذكرت ما حدث اليوم فأحست بنارٍ أخرى فوق نارها الأولى , حاولت فك الوشاح الملفوف على عنقها قليلاً, عندما انتبهت بانه قد كان هدية من حبيبها في عيد مولدها , فلم يكن منها الا أن خلعته و رمته عالأرض و رحلت بعد أن داست و بصقت عليه … أو تراه العكس ما حدث , ربما لم يكن الوشاح على عنق أنثى من الأساس , ربما كان محمولاً في كيسٍ ما يحمله عاشق متجه للقاء معشوقته دونما علمها حتى يهديها هذا الوشاح فتتضاعف المفاجأة لتصبح مفاجأة رؤيتها و مفاجأة الوشاح , لكنه عندما وصل لوجهته كان هو من تفاجأ عندما رأها تجلس مع من ظنه صار حبيبها السابق فتحطم كل شيء بداخله , ثم لملم حطامه و اتجه لمنزله , في الطريق انتبه لما يحمله فأخرجه و رماه ارضاً و اعطاه جرعة من البصق و الدوس , و في الحالتين كان الوشاح ضحية لخطأ لم يقترفه .


و لكن مالذي أوصل هذا الوشاح للسور بعد أن كان مرمياً على الأرض ؟ , ماذا لو لم يكن مرمياً في الأساس ؟ ماذا لو أنه لو تكلم لن يتكلم عن قصة حزينة , بل سيروي قصة حب رائعة من طيف الخيال ؟, ماذا لو تحدث عن عشيقين جمعتهما قبرص بعد أن قدما من بلدين مختلفين , فتحابا هنا و شهدت قبرص حبهما , حتى جائت لحظة وجب عليهما الإفتراق مجددا حين جاء موعد تخرجهما و العودة لبلديهما ,ربما لأن أحدهما عربي و الأخر إيراني , أو ربما كانا من نفس الدولة لكن اختلفت ديانتهما , فصار صعباً عليهما أن يلتقيا في مكانٍ أخر غير هذه الجزيرة , و في أخر ليلة لهما هنا كان يسيران هنا عندما اتفقا على ان يتركا شيئاً ما يكون نقطة التقائهما بعد سنوات , فكان الوشاح .



قطع حبل أفكاري صوت المارين من خلفي و الذين لعلهم كان يتحدثون عن هذا الواقف يتأمل وشاحاً ما , فأدرت وجهي و أكملت طريقي للمنزل و مزال تفكيري في ذاك الوشاح , حتى و ان كانت كل تلك القصص من وحي الخيال إلا انها تمتلك لمسة من الحقيقية , فكم من شخصٍ ظل في مكانه متأملاً عودة من رحل و انشغل بغيره حتى اشغله هذا عن من يحاول الإهتمام به في الخلفية , ربما لم يكن هناك خيانة و لكن كم من شخص صببنا كل غضبنا عليه رغم انه لم يرتكب شيء , فسقط ضحية لخطأ لم يقترفه , تماماً كهذا الوشاح الذي كان ذنبه انه كان قريباً , ربما لا يوجد قصة حب ورائه, ربما وقع من احداهن دون ان تدري , لكن كم من علاقة ضحينا بها حتى تعيش علاقة اخرى , كم من شخصٍ قدمنا هجره قرباناً لشخص اخر , لم اتصور يوماً أن يتشابه الجماد و البشر هكذا,


لقد ارهقت نفسي بالتفكير و ها أنا ادخل الشقة , سأتغدى و أنام حتى انسى كل ما جرى .


17309524_10154198327327175_1943185879214732695_n
2 views0 comments

Recent Posts

See All

Comments


bottom of page