top of page

براد شاهي (براد حقيقي)

ahmedobenomran

كان قد قرأ كل تدوينات براد شاهي، لا يعلم تماماً كم كان عددها، لم يعد يعرف تسلسلها، لم يعد يعرف صاحبة كل براد ، كل ما كان يعرفه بأن كل ما كتب في هذه التدوينات من كلماتٍ كانت تصفه هو، تتحدث عنه هو، او هكذا اعتقد، فقد يختلف الأشخاص، تتخلف الوجوه، الأزمان، لكن المعاناة تكون واحدة، احس بقليلٍ من الراحة عندما ادرك ان هناك من يشعر بألمه، هناك من يمر بمعاناته، هناك خلف تلك الكلمات التي كتبت يوجد شخص ما لا اعرفه ولا اعرف عمره، كل ما اعرفه انه يقف معي في ذات الخندق، لا ليس خندقاً، بل حفرة يصعب على كلينا الخروج منها، نقف في القاع معاً، لا يعرف احدنا الاخر، لا نعرف كم من شخصٍ يقف معنا في الحفرة، يقف؟ لا أظن انه هذا هو الوصف الحقيقي لحالنا هناك ، فنحن لم نعد نقف، و لا يهم كل ذلك ، المهم ان معاناتنا واحدة، هكذا كان يفكر، هذا ما كان يتصوره، لسبب ما لم يدركه صاحب المدونة و لم يكن حتى يتصوره عندما قرر ذات ليلة رمضانية صيفية الجلوس في فناء المنزل ان يجلس و يشرب الشاي و يكتب عن احدى تجاربه و يسميها براد الشاهي، ثم تنطلق بعد ذلك براريد الشاهي ، السلسلة التي تدرجت من الغزل الجميل إلى المعاناة، لم يكن يعلم حينها ان يكون لها هذا التأثير، ان تلمس قلب احد، كل ما كان يريده حينها ان يصل كلامه إلى شخصٍ ما، شخص محدد، ربما هذا ما جعل ذاك الشاب في الطرف الآخر يشعر بكل هذا، حتى و ان لم يكن هو المستهدف.

كان الجو خريفيا بامتياز، ليلة من ليالي تشرين يعمها الهدوء و نفحة باردة خفيفة، يقطع هذا الهدوء صوت صرصار الليل القادم من بين حشائش الفناء مغنيا يناشد شريكته ان تأتي، دخل مطبخه، اعد برادا من الشاهي، خرج به إلى الفناء، شغل أغنية عشوائيًا، جلس يطالع السماء كمن يبحث عن شيء هناك،

رأى القمر

تأمله

تذكرها

ابتسم

ثم رأى نجمًا بالقرب من القمر

اختفت الابتسامة

طأطأ رأسه

تذكر خرافة قديمة انتشرت في شبه الجزيرة كانت رقصها الجدات على احفادهن، عندما ظهر نجم سهيل يبحث عن صاحبه، امسك هاتفه، بدأ بكتابة رسالة ما،

عزيزي… حسنا لا اعرف اسمك، لكن أعرفك انك تمر او مررت بما انا فيه، لا اعرف حقا لماذا اكتب هذه الرسالة، كل ما اعرفه بأنني حزين يا صديقي، و غاضب، غاضبٌ على من شبه محبوبته بالقمر ذات يوم، و رغم ان التشبيه قد اكل عليه الدهر و شرب الا انها مازال ذو تأثير ليومنا هذا، يا صديقي و اسمح لي ان أناديك بصديقي، لقد خرجت اليوم لأشرب الشاي ليلا رغم ان هذا ليس من عاداتي، لكنني خرجت حتى اكسر روتيني لعلي اجد مهربا من هذه الأفكار التي تحاصرني، تأملت السماء فرأيت القمر و تذكرتها، تبا لصاحب هذا التشبيه، حزنت، بحثت عن شيء اخر، ارتشفت الشاي، تذكرت براريدك، فتذكرتها، تبا لك انت أيضا، يا اخي لماذا لم تشرب شيئا اخر يومها، شيء لا اتناوله كثيرا، فلنقل الخمر مثلا، انني يا صديقي تائه، ولا اعرف احدا غيرك قد يدلني لأنني مللت كل هذا، مللت ان أكون نجما ينتظر الاقتراب من القمر و في كل مرة يقترب، يبتعد القمر اكثر، حتى يأتي كوكبٌ على حين غرة ينال هذا القرب، لقد مللت هذا، و مللت الاستمرار، و المحاولة، لا اريد ان أكون مثل هذا الصرصار الذي أراه امامي الان و اسمع غنائه مناديا أنثاه طول الليل لكنها لا تأتي، لقد مللت…

ابتلت شاشة الهاتف بدمعة، تبعتها اخرى تدحرجت ساخنة من عينيه و استقرت بجوار اختها، تبعت الدمعتان أخريات تساقطن بغزارة ،

توقف عن الكتابة

لم يتوقف عن البكاء

لم يحاول

بل زاد بكائه حدة

انهمرت الدموع

سمع صرصار الليل نحيبه فتوقف عن الغناء احترامًا للحزن

وقفت قطة على السور تطالعه باستغراب

حزنت السماء لبكائه فبكت هي الأخرى

” مسكين انت، شعر بحزنك كل من حولك، الا هي ” قالها مخاطبا نفسه،

لاحظ انقطاع صوت الصرصار فنظر يبحث عنه، لكنه لم يجده، لا يدري إذا ما كان رحل عندما أيقن بأنها لن تأتي، او رحل لأنه لم يحتمل الحزن، مسح دموعه ، أخذ هاتفته، عاد يكتب: ” لقد انقطع صوت الصرصار فجأة، لقد رحل الصرصار عندما مل، و انا أيضا سأرحل”

في صباح اليوم التالي استيقظ، غسل وجهه، و اغتسل من اثار ليلة البارحة، اعد كوب قهوة، ثم جلس في شرفة شقته، امسك هاتفه بدأ بتصفح الإنترنت و استغرب من وجود رسالة على حساب مدونته، قرأها مرة فالثانية و الثالثة، لم يكن يعلم كيف يرد او بماذا يجيب، فكر مطولا ثم قرر ان يدع الكلمات تخرج عشوائية:

“لقد قبلت ان تناديني بصديقي فاسمح لي ان أناديك بهذا أيضا، لقد قرأت ما كتبت اكثر من مرة ولم اعرف بماذا اجيب في البداية، يؤسفني حقا ما تمر به، ان القدر جمعنا يا صديقي لنكون نجمين في ذات السماء كلانا متيم بالقمر و القمر لا يلقي لنا بالا، و هنا انت أمام خيارين، اما ان ترضى بهذا فتصبح واقفا في مكانك تتأمل القمر من بعيد و تشبع روحك جمالًا بالنظر اليه، او ان تسقط حرا ميتا و تكون شهابا، فالشهب ماهي الا نجوم ملت الانتظار، فأرجو الا تصير شهابا و ان تبقى نجما معي يشعرني بأنني لست وحدي، حزنت حقا عندما عرفت بأنك شتمتني لكتابتي عن الشاي، يا صديقي عندما يحب شخص فإنه يرى محبوبه في كل شيء، فلو كنت كتبت عن الفيزياء النووية لرأيت ان محبوبتك نواة حياتك و انها ذرتها ، و ان حبها انشطار ذري فجر حياتك، ولو شبهتها انا بالثورة لرأيتها انت سناء محيدلي و ان حبك لها مقاومة، فلا تلمني انا بل لم الحب، اننا يا رفيقي نقف معا في بحر من الرمال المتحركة و لا فائدة من المقاومة فكلما قاومت كلما زاد غرقك، قرأت هذا الصباح عن شابٍ وجدوه منتحرًا في غرفته، تقول الشائعات انهم وجدو براد شاي مسكوب على الأرض، و هاتف يعيد أغنية شادي لفيروز أرجو الا تكون انت و يكون هذا رحيلك الذي حدثتني عنه، مرة اخرى انا اتفهم شعورك و اقف معك، يا اخي نحن نملك نفس الاسم انظر للصدف….”

0 views0 comments

Recent Posts

See All

بكرج قهوة

بين القهوة و الشاي، هرب النوم مني و اصاب اعصابي ما اصابها، و بين براريد الشاي و فناجين القهوة تاه قلبي و ضاع عقلي و وجداني. شربت الشاي...

Comments


bottom of page