حرٌ خانق
مللٌ رهيب
اراقب دقائق الساعة بصبرٍ فارغ
أحسب الدقائق التي ستمر منذ اتخذت قراري بالنوم و حتى النوم الفعلي , في الواقع لم تعد دقائق بل باتت ساعات , اضطراب نوم صار مصاحباً لي منذ ايام, صاحبه انعدام شهية تجاه كل الأنشطة التي كانت يوماً تستهويني , لم اعد قادراً على السخرية من كل شيء , كل هذه الأشياء راحت .
الليلة و على غير العادة اعترتني رغبة في الكتابة , في ان اعتزل محاولة النوم هذه , و ان اشغل حاسوبي لأبدأ بضرب الأحرف لعلها تكتب شيئاً بعد انقطاع
قمت من سريري و توجهت إلى الشرفة حاملاً حاسوبي في يدي على امل ان اجد نسمات هواءٍ خفيف تبرد هذا الجسد
انبعث صوت سيمون مغنياً فور تشغيلي للجهاز الذي تشارف بطاريته على الإنتهاء ,
اضع لفافة التبغ في فمي بعد ان لففتها بسرعة
اشعلها
ثم تبدأ مهمة صعبة
مهمة البحث عن ما أكتب
اقلب الأفكار قليلاً في رأسي
لماذا لا أكتب عن أغنية سيمون هذه ؟
مش نظرة و ابتسامة مش كلمة و السلامة دي حاجات كتيرة ياما لو ناوي تحبني
سيمون تجلس تعطي شروطاً لفتىً مسكين يحبها ,ماذا لو لم يكن بيد هذا الفتى شيء سوى نظرة و ابتسامة و كلمة , هي تعطيه تعليماتٍ عن طريقة حبها و كأن الحب وصفة ما , ماذا لو كان هذا الفتى مثل عبد الحليم ليس له تجربة في الحب ولا زورق , هل يغرق ؟ , هل يُترك من قدم قلبه فداءٍ يموت لا لشيءٍ الا لأنه عديم خبرة بالأمر ؟
لطالما كان الأمر ظالماً , أن تجلس الأنثى على عرشها بينما يقاوم الذكر الأمواج و الرياح فقط لينال رضاها , و قد قال علماء النفس في هذا المجال بأننا نُعجب بمن يفهمنا ويهتم بنا , و ما قولكم يا علماء في من اُعْجبَ ولم يُعجبْ , في من فَهِم ولم يُفهم؟ ما قولكم في من افهم افنى عمره مهتماً دون أن يُهتم به ؟
و انت يا ولدي ما رماك في هذا البحر ؟ , خدعوك فقالوا لك بأنه جميلٌ حلو المذاق , لكنهم لم يخبروك عن علو أمواجه , لم يخبروك عن مرورة أحزانه ؟ حدثوك عن طيور الحب ولم يحدثوك عن الطيور التي كسر الحب أجنحتها, فسقطت ارضاً و هي ترى مرادها يطير مع غيرها ؟
لا أدري لماذا و لكني دائماً اجد في الأغاني اسئلة تستحق التفكير , فمثلا هذه اغنية اخرى بسؤالٍ جديد , ليه يا دنيا الواحد بي……
مهلاً لا أريد ان اجعل الأمر كله مرتبطاً بالأغاني ! لا لا
لن ينفع هذا الأمر
ترى ماذا اكتب ؟
اخمم
اسحب نفسا من سيجارتي و انفثه
لماذا لا أكتب عن فتىً مثلي … اقصد يشبهني في بعض الأشياء
فلنقل بأنه يعاني من خللٍ في النوم و الشهية , فقد الإهتمام بما كان يمتعه قديماً
و لنضف بأنه يعاني من سوداوية حادة تصيبه في فتراتٍ متقطعة
استمع لعدة نصائح
بحث عن طرقٍ لإبهاجه
مساعدة
لا يدري من نصحه بأن يتوجه لطبيبٍ او معالجٍ نفسي
يعطيه اسمي بعد أن صرت معالجاً
يأتي إلي ذلك الفتى
يحدثني عن مشاكله
ارى نفسي بينها
يصيبني الشك للحظات
لكن ما ان اكمل الفتى حديثه حتى قطع شكي
انه انا
ترى بماذا انصحه ؟
كيف سأعالجه ؟
هل أقول له بأن كل شيء سيكون بخير؟
هل أحدثه عن اخطاءٍ سيرتكبها في المستقبل فأنصحه بتجنبها ؟
ماذا لو كانت لأخطائه هذه فوائد مستقبلية لم اعرفها الى الأن ؟
انا مرتبك
تعتريني الأسئلة و الحيرة
لماذا مازلت اتحدث عن الفتى كأنه شخصٌ اخر رغم تأكدي بأنه أنا ؟
هل هو هربٌ من مواجهته ؟
لا لا اشعل اللفافة مجددا بعد ان انطفئت
لقد صار الأمر معقداً , يجب أن ابحث عن موضوعٍ أخر
أعجبتني فكرة العلاج النفسي , لماذا لا ابقيها و اجعلها محور القصة ؟
جلسة علاج نفسي , هذه المرة جلسة جماعية ,
غرفة يجلس بها عشرة اشخاصٍ تتوسطهم معالجة نفسية ,
تبدأ هي الجلسة متحدثة للشخص على يمينها قائلة “لماذا لا تبدأ انت؟”
يتعلثم
يرتبك
“لقد جئت إلى هنا بعد أن ارهقتني الأسئلة و الأفكار
هل يعقل أن يكون سمي هو دوائي في ذات الوقت ؟
هل يعقل بأن يكون سبب سعادتك هو سبب تعاستك في ذات الوقت؟
حاصرني القلق شيئاً فشيئاً حتى لم أجد مهرباً منه “
تقطاعه قائلة قلقٌ بشأن ماذا ؟
ينظر للأرض بأسى
” لقد بدأ الأمر بماذا لو خسرتهم ثم اخذت ال(هم) تنقص تدريجيا حتى صارت (ها) عندها ادركت بأني لم اعد اهتم بأحد بقدر اهتمامي بها “
يضحك بطريقة ساخرة ثم يواصل
” الإهتمام , كان دوماً أكثر ما اخشاه ,
ماذا لو كان اهتماماً دون مقابل؟
اخذت احث نفسي على تجنب هذه الأفكار
ابعدها عني
حتى وجدتني في دوامة اسئلة اخرى
لماذا لا احد حولي ؟
هل سأموت هكذا وحيداً ؟
ثم عدت لها من جديد
هل ستكون هناك عندما اموت ؟
عندها ايقنت بانني واقعٌ في أمر أعظم مما ظننت “
صمت
سألته
” ما هو ؟”
عاد لينظر للأرض كأنه يبحث عن اجابة
ضحكة هستيرية اخرى اصابت من حوله بالذهول
“لقد كنت أمزح معكم , كل هذه الأشياء مزيفة و لم تحدث”
احتار من حوله , بعضهم استمر في النظر بذهول , و البعض الأخر كان يحاول اخراج ضحكة صفراء لكسر غرابة اللحظة
” ولكن في كل شيء مزيف لمسة أصلية مخفية في ثنايها”
قالها قبل أن يخرج مسدساً من جيبه مصوباً اياه نحو رأسه
و قبل أن يفهم أحد ما يدور الأن كان قد ضغط على الزناد و هوى جسده على الأرض بعد ان اخترقت الرصاصة جمجته , ربما بهذه الطريقة ضمن أنه لن يموت وحيداً
اعيد قراءة ما كتبت من جديد لأقيمه
لا لا
سوداوية جداً
اعود للتفكير من جديد
احاول ان اجد شيئاً اخر مبهج اكثر هذه المرة ,
اللعنة !! نفذ شحن حاسوبي و سينطفيء بعد لحظـ…..
Comments